الأثنين 2017/11/20

العقد المطلوب حلها في مؤتمر “الرياض 2”

مضى عامان على آخر "مؤتمر موسّع للمعارضة السورية" والذي انعقد في الرياض بقرار من مجموعة فيينا الدولية، وكان يفترض أن ينتج عنه "هيئة عليا للمفاوضات" تكلّف "وفداً موحّداً مفاوضاً" وتكون بديلاً عن الائتلاف الوطني الذي خسر ورقة المفاوضات برفضه مجموعات العمل الأربع التي اقترحها دي مستورا، والتي نفّذها لاحقاً مع هيئة المفاوضات باسم "الآلية التشاورية" في لوزان.

لم يكن بين ولادة الهيئة وضربها وسحب شرعية تمثيلها للشعب السوري إلا سبعة أيام فقط، فالقرار 2254 الذي صدر في 18-12-2105 تضمّن قضيتين جوهريتين تمسّ مؤتمر الرياض 1 برمّته:

الأولى: ما ورد في القرار 2254 عن مجلس الأمن أنه " وإذ يحيط علما بالاجتماعات التي عقدت في موسكو والقاهرة، وبما اتخذ من مبادرات لتحقيق هذه الغاية، وإذ يلاحظ على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض المعقود في الفترة من 9 إلى 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة". هذه الفقرة اعتبرت أن المؤتمر الموسّع الجامع للمعارضة السورية لم يكن كذلك، وإنما هو منصة من ثلاث منصات معترف بها دولياً بهذا القرار.

الثانية: سحب حق تشكيل الوفد المفاوض من الهيئة كما أعلنت في ذيل بيانها الختامي، ومنحه للمبعوث الخاص "دي ميستورا" حيث ورد في القرار عن مجلس الأمن " وإذ يتطلّع إلى قيام المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا بوضع اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة تحقيقا لهذه الغاية".

الذي يعلم الكواليس والمداولات التي تجري في مجلس الأمن قبل صدور قرار دولي يحصل على إجماع، وخصوصاً في الحالة السورية، له أن يقول إن ضرب هيئة المفاوضات تمّ وهي تتلو بيانها الختامي، فموسكو التي تلاعبت بالقرار 2254، وأدخلت فيه منصتي القاهرة وموسكو، لم تكن راضية عن المؤتمر الموسّع الذي تحوّل إلى "منصة الرياض" بسبب فقرة " وشدد المجتمعون على أن يغادر بشار الأسد، وأركان ورموز حكمه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية." فموسكو ترى أن بيان جنيف يحتمل بقاء بشار في منصبه، وهي الثغرة الرئيسية في بيان جنيف التي يصر الروس على استغلالها إلى أقصى حد.

السعودية اليوم تخشى على مؤتمرها الموسّع الثاني أن يُضرب أيضاً، وهي حاولت أخذ ضمانات من الروس بذلك لكنها لم تنجح، لذا كانت مترددة بشكل كبير في عقد المؤتمر، وهي تعقده اليوم ضمن سلسلة "الفوضى الملَكية" الحاصلة في البلاد، ولتحقيق مصالح داخلية وإقليمية للمملكة دون أي أفق سياسي يمكن أن تجتمع عليه المعارضة السورية، فالرياض 2 أصعب وأعقد بكثير من الرياض 1، فالمنصات الثلاث "الرياض موسكو القاهرة" تدخله على قدم المساواة فما بعد 2254 ليس كما قبله، وانسحاب المنصتين أو إحداهما يعني بالضرورة عدم وجود وفد معارض موحّد في جنيف 8، ما يتيح للروس وللنظام رفض حضوره، والتركيز على مساري أستانا وسوتشي، ولذا أيضاً السعودية لن يكون همّها الأول السقوف السياسية التي ستختلف عليها المنصات المشاركة، بقدر ما سيكون همّها تضمين البيان الختامي ما يؤيد سياساتها الإقليمية وخصوصاً حيال إيران، كما جرى في البيان الختامي لاجتماع الجامعة العربية أمس الأحد.

العُقد التي تواجه المؤتمر عديدة، ومن خلال الوثائق الأربع الأساسية التي تعود لكل من هيئة المفاوضات، والائتلاف الوطني، وهيئة التنسيق، ومنصة موسكو، فالعقد حسب الوثائق ليست قابلة للحل في جزء منها، بسبب التباين الكبير بينها، وأقصى ما يمكن الوصول إليه فيها هو محاولة الالتفاف عليها.

*العقدة الأولى: مصير رئيس النظام:*

ففيما تتفق هيئة المفاوضات والائتلاف على رحيله مع بدء المرحلة الانتقالية، فإن هيئة التنسيق تنص في بند "مؤسسة الرئاسة خلال المرحلة الانتقالية" على أن "يتم التفاوض بين الوفدين على مؤسسة الرئاسة وصلاحياتها وشاغلها"، أي إنها مسألة قابلة للتفاوض حوله، أما منصة موسكو فقد أغفلت الإشارة إلى هذه النقطة، وهي رفضت في جنيف وسترفض في الرياض2 فتح النقاش حولها.

المطلوب في الرياض 2 تجاوز هذه المعضلة بتقسيم المرحلة الانتقالية إلى مرحلتين: تحضيرية أو تفاوضية أو ما قبل انتقالية، يبقى بشار الأسد خلالها متمتعاً بصلاحياته جزئياً أو كلياً، وترك الحديث عن إمكانية ترشحه في أول انتخابات رئاسية قادمة، مع عدم وجود أي ضمانات دولية لا في مدة محددة لانتهاء هذه المرحلة، ولا في ضمان عدم السماح له بالترشح للرئاسة القادمة، وهذا يطابق وجهة النظر الروسية والإيرانية.

*هل سيحدث خرق في هذه العقدة؟*

الجواب: قد تكون الرؤية الوسط لهيئة التنسيق هي الموقف المعلن في البيان الختامي، أي لن يكون رحيل الأسد شرطاً مسبقاً، بل سيكون بنداً تفاوضياً مع استمرار الائتلاف بتبني رحيله مع بدء المرحلة الانتقالية.

*العقدة الثانية: هيئة الحكم الانتقالي:*

المنصات جميعها تتحدث عن "بيان جنيف1"، ولا سيما البند الخاص بتأسيس "هيئة حكم انتقالي" تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية كما ورد في الرياض 1، بينما تسميها هيئة التنسيق " حكومة المرحلة الانتقالية" وإن كانت تشبه في تشكيلها وصلاحياتها ما ورد في الرياض 1، أما منصة موسكو فتتجنب إيراد أي حرف عن شيء يسمى "حكما انتقاليا"

هذه القضية عصيّة في التعامل معها، وستبقى نظرياً كما هي في الرياض 1، مع أنها عملياً مؤجلة ولن تناقش حتى في جولة جنيف 8 القادمة، وسيتم تأخير التعامل معها إلى ما بعد الاتفاق على قضايا الدستور والانتخابات التي يمكن أن تتحول إلى حكومة وحدة وطنية، أو حكومة إنقاذ، أو وفاق، أو ما شابه ذلك.

*العقدة الثالثة: الأجهزة الأمنية والعسكرية:*

أيضاً ما بين "وجوب إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية" كما في الرياض 1، إلى " الحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة وتطويرها"، كما في وثائق موسكو، فإنه من الصعب ردم الهوّة بينهما، وقد تميل كفّة هيئة التنسيق الداعية إلى تجميد الوضع على ما هو عليه بين الطرفين المسلحين نظاماً ومعارضة " ريثما يتم الاتفاق على إعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية"

*العقدة الرابعة: القوات الأجنبية:* فيما أكد المجتمعون في الرياض 1 "رفضهم لوجود كافة المقاتلين الأجانب، وهذا يشمل من تم تجنيسهم بغرض قتل الشعب السوري، والمليشيات والجماعات المسلحة، والقوات المسلحة الأجنبية على الأراضي السورية، ومطالبتهم بطردها من أرض الوطن"، نجد أن وثائق موسكو ترفض فقط " أي وجود عسكري أجنبي في أراضي سوريا من دون موافقة حكومتها" بمعنى أن القوات الإيرانية والروسية و"حزب الله" وكل المليشيات الطائفية والمرتزقة تعتبر قوات شرعية بسبب موافقة النظام على وجودها.

هنا أيضاً هيئة التنسيق تقف موقفاً متوسطاً، وتكتفي بـ "الطلب إلى جميع المجموعات والأفراد المسلحين من الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام والمعارضة الخروج الفوري من سوريا. ويتأكد فريق المراقبين الدوليين من تنفيذ هذا البند"، وقد يكتفي البيان الختامي بتوجيه مثل هذا النداء.

*العقدة الخامسة: قضايا مثل العروبة والإسلام واللامركزية ورفع العقوبات الفوري، والحقوق القومية:*

ستكون قضايا للاستهلاك الإعلامي والتراشق وتسجيل المواقف لا أكثر، والكل سيقبل ببحثها في ثنايا ملفات الدستور وشكل الحكم، وإعادة الإعمار على طاولة المفاوضات، ودون اعتبارها مبادئ لا يمكن التخلّي عنها، وقد لا يتم تضمينها في البيان الختامي، ولا في ورقة المبادئ إن تم الاتفاق على وضعها.

ضمن هذه الخارطة سيعتبر بيان الرياض 2 تنازلاً كبيراً ومجانياً تقدمه المعارضة للنظام وبذريعة واهية جداً هي نجاح المؤتمر والحفاظ على المعارضة من الانقسام أو الانسحاب، وسيكون هذا خطأ فادحاً سيصعب تداركه، وستظهر تبعاته لاحقاً، والمطلوب من المشاركين في الرياض 2 الإبقاء على المطالب كما هي في الرياض 1، ريثما تبدأ عملية سياسية تفاوضية جدية.