السبت 2018/06/09

الرشوة الأخيرة.. الخطّة السعودية الإسرائيلية للتخلّص من ملك الأردن

كيفما التفتت العائلة السعودية حولها، نراها تقنع نفسها بأنها محاطة بأعداء تاريخيين لها، هذه العائلة بنَت ملكها على تحالف ديني مشهور أوصلها إلى المكانة العربية والإسلامية والدولية المرموقة التي وصلت إليها، لكن النار التي تحت الرماد بقيت تقلق ملوك آل سعود. ولي العهد الجديد محمد بن سلمان سياسته نفخ الرماد، ويوشك إضرام النار في نفسه، وفي ملكه، وفي كل المنطقة.

في كل عداوات العائلة السعودية القبَلية والدينية والسياسية، تظهر العائلة الهاشمية كعنصر مشترك بينها، تشترك الأسرة الحاكمة القطرية ذات النسب التميمي، والعائلة الأردنية الحاكمة ذات النسب الهاشمي، في معاداة العائلة السعودية ذات النسب المتردد بين عنزة وتميم لهما، العداوة القبلية للعائلة الأردنية أقوى بسبب البُعد الديني للنسب الذي تملكه، والذي يختلط بالبعد السياسي في قضية "الخلافة في قريش".

العداوات الدينية للسعوديين تتركز بالاتجاهين السنّي والشيعي، على رأس الأول تتربع تركيا ذات إرث الخلافة العثمانية العريق الذي وصل إلى الزعيم الحالي "رجب طيب أردوغان" الذي يفخر بهذا الإرث، ويرى السعوديون أنه يؤهله لزعامة العالم الإسلامي السنّي، فتركيا القوية اليوم تهدد الزعامة التي تدّعيها السعودية للعالم الإسلامي السنّي، فهي تتكئ فقط على وجود المقدسات فيها مكة والمدينة، بينما تقف تركيا بقوة في دعمها لقضايا وشعوب إسلامية عديدة تمتد من فلسطين إلى سوريا إلى سنّة العراق، وتدافع عن مسلمي الروهينغا في ميانمار، ومسلمي البوسنة، وشبه جزيرة القرم، وهي وقفت إلى جانب قطر ضد السعودية والإمارات في الحصار المفروض عليها منذ أكثر من عام، وحده أردوغان يستطيع اليوم أن يُهين حكام إسرائيل بينما يسعى حكام السعودية والإمارات لنيل رضاهم.

تمضي السعودية في عداوتها الدينية التقليدية لإيران الشيعية، لكنها اليوم تسلك الطريق الخطأ في محاولة إقناع العالم العربي المحيط بها في أن إيران الخطر الأكبر وليس الدولة الصهيونية، ثم بوجوب التحالف مع الصهاينة لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

السعودية التي تهيمن على إدارة المقدّسات الإسلامية في مكة والمدينة تلقى نزاعاً من إيران حول ذلك، يتجلّى في خلافات ملف الحج كل موسم، وتتعالى على إثره الصيحات بتدويل إدارة المقدسات.

مع الأردن يختلط أيضاً البعد الديني بالسياسي، فالهاشميون لهم الوصاية على المقدسات في مدينة القدس المحتلة، ولا ينازعهم فيها أحد، ولا يزال احتلال القدس القضية الأهم للعالم الإسلامي بكل مذاهبه، وهو الذريعة الأولى لإيران ولعدد من الأنظمة العربية في استمداد شرعية حكمها واستبدادها لشعوبها في طريقها نحو "تحرير القدس"، الخميني والخامنئي ونجاد ونصر الله، وعبد الناصر وآل الأسد وصدام أمثلة عن هؤلاء. جميعهم في استمرار حكمهم يحتاجون إلى "كعبة" تشبه كعبة آل سعود، هي في فلسطين، "المسجد الأقصى".

نصل إلى الجزء الأول من لبِّ موضوع هذه المقالة "صفقة القرن" التي عقدها ابن سلمان مع الإسرائيليين. تسعى الصفقة إلى إقامة سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل بداية، ثم بين إسرائيل والدول العربية في مرحلة تالية، لتتوّج بتحالف بين السعودية وتل أبيب لمواجهة الخطر الإيراني. تشمل الصفقة إقامة دولة فلسطينية على حدود قطاع غزة ومناطق من الضفة الغربية تكون عاصمتها قرية "أبو ديس" عوضاً عن القدس الشرقية كما ينص اتفاق أوسلو.

الجزء الثاني يتعلّق بنكبة الملك الأردني التي بدأت بسبب معارضته الشديدة لهذه الصفقة، الإنجيليون الصهاينة أوصلوا ترامب إلى البيت الأبيض، وفي كبار رجال إدارته ومستشاريه من يتبنّى هذه الصفقة، وعلى رأسهم صهره اليهودي "كوشنير"، كان الملك الأردني يحمي نفسه ومملكته من سطوة آل سعود بتحالفه مع الأمريكيين، اليوم انقلبت المعادلة، الأمريكيون يتخلَّون عنه لصالح السعودية والإمارات. نقل الأمريكيون السفارة إلى القدس في سابقة لم يجرؤ أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة بالإقدام عليها.

لن يلام الملك الأردني في تغيير تحالفاته باتجاه تركيا وإيران وروسيا وغيرها، لن يجدي ذلك نفعاً كبيراً، فالكل غارق في مشاكله من الاتفاق النووي الإيراني إلى الانتخابات التركية والمعضلة السورية، إلى اللوبي الصهيوني في روسيا، لن يمدّ أحد حبل الإنقاذ للملك عبد الله الثاني.

اليوم أعلن الملك السعودي سلمان عن "رباعية" لدعم الملك الأردني، ستكون الرشوة الأخيرة التي تُعرض عليه لبيع القدس، كما حدث مع السلطان عبد الحميد سابقاً. سيكون الملك الأردني بين هذا الخيار وبين خيار إنقاذ عرشه.

ماذا لو رفـض الملك الأردني الرشوة؟

"خطة يينون" الإسرائيلية جاهزة، وهو السيناريو الذي سيواجهه الملك حال رفضه المضيّ في تنفيذ صفقة القرن المشبوهة، تقول الخطة التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي، في استعراضها لطريقة التعامل مع الدول المحيطة بها، عند حديثها عن الأردن وفلسطين:

1- الأردن هي في الواقع فلسطينية، حيث إن الأقلية البدوية من الأردنيين هي المسيطرة، ولكن غالبية الجيش من الفلسطينيين، وكذلك الجهاز الإداري. وفي الواقع تُعد عمّان فلسطينية مثلها مثل نابلس.

2- وهي هدف استراتيجي وعاجل للمدى القريب وليس للمدى البعيد، وذلك لأنها لن تُشكّل أي تهديد حقيقي على المدى البعيد بعد تفتيتها.

3- ومن غير الممكن أن يبقى الأردن على حالته وتركيبته الحالية لفترة طويلة. إن سياسة (إسرائيل) -إما بالحرب أو بالسلم- يجب أن تؤدي إلى تصفية الحكم الأردني الحالي ونقل السلطة إلى الأغلبية الفلسطينية.

4- إن تغيير السلطة شرقي نهر الأردن سوف يؤدي أيضاً إلى حل مشكلة المناطق المكتظة بالسكان العرب غربي النهر، سواء بالحرب أو في ظروف السلم.

5- وأنه لم يعد بالإمكان العيش في هذه البلاد في الظروف الراهنة دون الفصل بين الشعبين بحيث يكون العرب في الأردن واليهود في المناطق الواقعة غربي النهر.

6- إن التعايش والسلام الحقيقي سوف يسودان البلاد فقط إذا فهم العرب بأنه لن يكون لهم وجود ولا أمن دون التسليم بوجود سيطرة يهودية على المناطق الممتدة من النهر إلى البحر، وأن أمنهم وكيانهم سوف يكونان في الأردن فقط.

7- إن التمييز في دولة (إسرائيل) بين حدود عام 1967 وحدود عام 1948 لم يكن له أي مغزى.

8- وفي أي وضع سياسي أو عسكري مستقبلي يجب أن يكون واضحاً أن حلّ مشكلة "عرب إسرائيل" سوف يأتي فقط عن طريق قبولهم لوجود (إسرائيل) ضمن حدود آمنة حتى نهر الأردن وما بعده.

هذه هي البنود المهمة في الخطّة الإسرائيلية. كانت الاحتجاجات الشعبية الأردنية الماضية على قوّتها رسالة صغيرة، وصفعة أولى للملك، الاحتجاجات لآخر مرة في تاريخ الأردن ستقتصر على الحكومة وتنتهي بإسقاطها، المرة القادمة ستتناول الملك شخصياً، وتطالب بتغيير النظام الملكي برُمّته، حال نجاح هذا السيناريو ستأتي التغييرات برئيس فلسطيني للأردن عميل لإسرائيل، يمضي في تنفيذ خطة يينون، وصفقة القرن على حد سواء.

الأردن الهشّ اقتصادياً واجتماعياً لا يستطيع المقاومة طويلاً، والتغيير لو حدث سيجعل الأردن بلد اللاجئين الأول في العالم، ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين سيفقدون حق العودة، هو أحد الحلول الجيدة لنظام بشار الأسد، والنظام الشيعي العراقي بإبقاء هذه الملايين السنّية خارج الحدود. وسينتهي فعلياً مشروع حل دولتين تتقاسمان القدس. لن يكون هناك منافس لكعبة ابن سلمان، الهيكل سيكون مكان المسجد الأقصى، وتستقر الزعامة الدينية الإسلامية بيد ولي العهد المتحالف مع إسرائيل. الأيام القليلة القادمة ستظهر إلى أين تتجه الأمور في هذا البلد الصغير.