السبت 2018/08/04

إسرائيل لابن سلمان: اللعبة المزدوجة تأتي بسعر مميت لليهود!


مركز الجسر للدراسات..


خطوات متسارعة وغير مسبوقة كانت تجري في المنطقة، في الركض نحو تل أبيب من قبل المحور السعودي الإماراتي، والفلك الذي يدور حوله في مصر والبحرين والأردن.

العلاقات السعودية الإسرائيلية التي كانت تسير في الكواليس وصلت إلى مستويات جديدة خلال العامين الماضيين في ظل سياسة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وإثر تصريحاته في جولته الأمريكية عن "حق اليهود بالعيش في وطنهم"، نُشر تقرير عن لقاء تم بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".

للتذكير فإن "صفقة القرن" تتضمّن السماح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة على نصف الضفة الغربية، وقطاع غزة. فيما تحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية الداخلية، وعلى المعابر الحدودية. ويبقى غور الأردن تحت السيادة والسيطرة العسكرية الإسرائيلية. تنضم الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة، التي ستكون جزءًا من "القدس الإسرائيلية". وتكون قرية "أبو ديس" هي العاصمة الجديدة للدولة الفلسطينية، وقبول دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة حماس على نزع السلاح. ولا تتطرق الخطة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سيتم إنشاء آلية تعويض وإدارة من قبل المجتمع الدولي. كما تنصُّ على الاعتراف بدولة إسرائيل كوطن للشعب اليهودي، والاعتراف بـ "دولة فلسطين" بسيادة محدودة كوطن للفلسطينيين.

وللتذكير كجزء متعلق بما سيَرِد لاحقاً فإنه من ضمن الصفقة أيضاً ألّا "تعلن الحكومات العربية المعنيّة تفاصيل الخطة كاملة، لإجراء مزيد من المناقشات للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين وإسرائيل".

في خضمّ هذا الركض نحو تل أبيب، تعلن إسرائيل فجأة توقّف كل شيء في هذا الصدد، والتعليل على كلا الجانبين السعودي والإسرائيلي مختلف بشكل كبير جداً.

إسرائيلياً بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أنّ الإعلان عن "صفقة القرن" سيتم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، خشية أن يخدم ذلك منافسي نتنياهو في الانتخابات، مثل وزير التعليم الإسرائيلي "نفتالي بينيت". فيما لو تبنّى نتنياهو بعض بنود الصفقة، مثل الاعتراف بأبو ديس عاصمة لفلسطين.

أما الجانب السعودي وحسب صحيفة "هآرتس" العبرية أيضاً عن مصدر دبلوماسي فإن "التغير في الموقف السعودي جاء بسبب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها"، و "أن السعوديين أبلغوا الإدارة الأمريكية: ما كان باستطاعتنا فعله قبل قرار القدس، لا نستطيع أن نقوم به الآن".

لا هذا ولا هذا هو السبب الحقيقي وراء الموضوع!

الجميع في إسرائيل مع الصفقة، ولا يوجد فائز وخاسر فيما لو تحققت، الكل سيعتبر نفسه فائزاً، القدس العاصمة الأبدية للدولة اليهودية، إنجاز سيلتفّ الجميع حوله رغم بعض التنازلات التافهة هنا وهناك في جوانب الصفقة.

ما الذي حدث إذن؟

إسرائيل تريد أن تكون الصفقة نهاية مرحلة "العداوة والكراهية" بينها وبين محيطها العربي بكامله، والتحول إلى مرحلة جديدة من "الصداقة والمحبة" على المستويين الرسمي والشعبي معاً.

على المستوى الرسمي، معظم الأنظمة العربية -بما فيها نظام الأسد- تعتبر ذات علاقات جيدة مع إسرائيل، وعلى مدى العقود الماضية تساهلت إسرائيل مع القادة العرب في إظهار العداوة العلنية لهم ما دامت جيوشهم لا تشكّل خطراً على الدولة اليهودية، وما داموا يضبطون حدودهم لتأمين الهدوء والسلام، كان هذا التصرف ضروريا للقادة العرب للمحافظة على مكانتهم وشرعيتهم وشعبيتهم التي يستمدونها من "الممانعة والمقاومة"، ومن "تحرير القدس القضية المركزية للعروبة"، كان هذا ضرورياً ولو مع مناوشات أو حروب صغيرة انتهت قبل خمسة وأربعين عاماً تقريباً، وكانت تنتهي عادة بنكسة كنكسة 6 حزيران/يونيو 1967، أو بانتصارات وهمية كما في "حرب تشرين" 1973، لكن لم يكن هناك بأس من استمرار النقد الكلامي والتهجم على الدولة العبرية و"ممارساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني واستمرار احتلالها للجولان السوري" بدون هذين الأمرين سيفقد كثير من القادة العرب شرعية وجودهم، وسيفقدون الذريعة الأولى لاستمرار نمط الاستبداد والقمع الذي يمارسونه على شعوبهم "فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة" الشعار الذي قضى بسببه المعارضون لهذه الأنظمة سنوات طويلة في غياهب السجون، أو فقدوا حياتهم باعتبارهم "خوَنة" للقضية الفلسطينية، إذ يعارضون "حُماتَها" الذين لا يفارقون كراسي حكمهم إلا إلى القبر.

بقي هذا الاتفاق سائداً منذ أيام جمال عبد الناصر إلى يومنا هذا. وبقيت إسرائيل تتفهّم حاجة القادة العرب إلى خطاب العداوة والكراهية المعلن لشعوب هذه الدول.

اليوم إسرائيل تريد أن تغيّر قواعد اللعبة، فـ"صفقة القرن" يجب أن تكون دائمة، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت الصفقة مقبولة شعبياً، وإسرائيل بعد الربيع العربي ومقارنة نفسها بزعيم عربي مثل "بشار الأسد"، ترى أنها تحمل الكثير من المزايا الإنسانية والأخلاقية التي تزيل النفور السابق منها، فالنكبة الفلسطينية لا يمكن مقارنتها بالنكبة السورية من جميع النواحي، لا في عدد اللاجئين، ولا المعتقلين، ولا المقتولين، ولا التدمير، أو ما هو داخل في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والإبادة الجماعية؛ فعمليات التعذيب والاغتصاب والتهجير القسري، والتطهير الطائفي، واستخدام الأسلحة الكيماوية، كل هذا لا يمكن مقارنته بممارسات الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني. وعليه ترى إسرائيل أنه يجب تغيير الخطاب الرسمي العربي إلى خطاب "الصداقة والمحبة" بدل الخطاب المتضمن التشجيع على معاداة السامية.

تواصل الرياض إثارة الكراهية لإسرائيل في الداخل، كان هذا مدار التحذير الذي أطلقه باحثون إسرائيليون، وساقوا أمثلة كثيرة في هذا المضمار، فبعد ظهور معسكر السعودية الإمارات والبحرين ومصر، الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة وإسرائيل، وفرض هذا المعسكر المقاطعة على قطر  بسبب "علاقاتها المتنامية مع إيران وتركيا". وظّفت السعودية جيشاً من "الذباب الالكتروني" مهمته السيطرة على الرأي العام المحلي، وتشويه سمعة قطر وتركيا، هذا الجيش يتكون من 4000 شخص يملكون 400.000 حساب على تويتر، ويعملون تحت هويات مزيفة، ويتبعون لهيئة "الأمن السيبراني" التي أنشأتها الرياض عام 2017.

بحسب الباحثين الإسرائيليين فإن هذه الحسابات في حربها على قطر تستخدم مصطلحات معادية للسامية، عندما تشير إلى قطر على أنها "قطرائيل"، الكلمة المنحوتة من قطر وإسرائيل، وتزعم أن شبكة الجزيرة "تنتمي إلى الموساد الإسرائيلي". وأن "صفقة القرن" هي خطة قطرية لبيع فلسطين إلى "الكيان الصهيوني"، على حد تعبير أحدهم، بينما يزعم آخر أن  الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يخطط لتقسيم الدول العربية لتحقيق أحلام "الكيان الصهيوني" وإيران. وفي تغريدة أخرى، تزعم السلطة السعودية أن قطر "تحاول تدمير العالم العربي لخدمة أعداء العالم الإسلامي: إسرائيل وإيران".

السعوديون يلعبون لعبة مزدوجة:

يقول الباحثون الإسرائيليون: إنّ هذه التصريحات تتغلغل عميقاً في الوعي العربي وتزيد من كراهيتها القائمة تجاه اليهود وإسرائيل. وإن السعوديين يلعبون لعبة مزدوجة. هم وراء الكواليس، يرسلون للإسرائيليين رسالة مفادها أن طهران هي عدو مشترك، ويدفعون إسرائيل لمحاربة إيران وحزب الله. لكنهم يقولون في الداخل إن العدو هو أولاً وقبل كل شيء دولة إسرائيل، تليها إيران. وصيغتهم واضحة: علاقات سرية مع إسرائيل، إلى جانب العداء الصريح للدولة اليهودية لإرضاء الشعب الذي يكره غالبيته إسرائيل.

يتابع الباحثون: "هذه اللعبة السعودية المزدوجة مألوفة للأسف. وهي تذكّر بالنموذج المصري في عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وحسني مبارك: نُشرت عشرات المقالات المعادية للسامية على أساس يومي، فيما أغلق السياسيون الإسرائيليون أعينهم أمام هذه الظاهرة. اليوم يجب على تل أبيب ألا تقبل التحريض المعادي لإسرائيل، التحريض يترجم إلى عمل، وهذا يأتي بسعر مميت لليهود ومصالحهم حول العالم. ويجب أن يخلو الخطاب السعودي من أي إشارة معادية للساميّة".

الاعتراضات هذه أُوصلت لوليّ العهد السعودي، وهو سار في خطوات تطبيعية استجابة للشروط الإسرائيلية في القبول باعتلائه العرش خلفاً لوالده الملك سلمان، لكن يجري الحديث همساً في القصر السعودي أنّ الملك سلمان سحب ملف "صفقة القرن" من وليّ العهد، بسبب الصورة السلبية للسعوديّة، التي رسمتها تصريحاته بخصوص القدس المحتلة.

هل يستطيع وليّ العهد التغلّب على سلطة والده، والمضيّ في الصفقة وفق الشروط الإسرائيلية، أم ستتغّلب السياسة التقليدية العربية في ضرورة إبقاء ولو هامش صغير كافي لمواصلة مخادعة الشعوب العربية في وطنية قادتهم؟

إسرائيل اليوم في وضع يسمح لها بوضع شروطها، والتغيير سيكون حتمياً إن لم يكن في السياسات فهو في القادة العرب، والأيام القادمة ستكون كفيلة بتصديق ذلك.