الأربعاء 2018/05/16

الأمم المتحدة: العالم سيغسل يديه من دماء السوريين كما غسل “بيلاطس” يديه من دم المسيح


مركز الجسر للدراسات


العالم سيغسل يديه من دماء السوريين كما غسل "بيلاطس" يديه من دم المسيح، كانت هذه أحدث رسالة تسمعها المعارضة السورية من مسؤول رفيع في الأمم المتحدة.

لنذكّر قليلاً برواية "بيلاطس البنطي" الحاكم الروماني على القدس، الذي رضخ لتأليب اليهود على المسيح عليه السلام، الاتهام بالهرطقة "الإيمان والصدق والصلاح" ليس سبباً كافياً لإصدار حكم الإعدام، لا بد من سبب سياسي، صارت التهمة "إفساد الأمة، ومحاولة قلب نظام الحكم"، أصدر "بيلاطس" حكم الإعدام، ثمّ شخص ما كان يتألم ويسفك دمه على الصليب، يعتقد قتلته أنه البارُّ الصدِّيق، تنتهي الرواية بتنصّل بيلاطس من هذا الذنب حين يخاطب اليهود شركاء الجريمة: "قوموا فلنغسل أيدينا من دم هذا الصدّيق".

يقول المسؤول الأممي: إن العالم بعد جنيف 2 نسي القضية السورية، وكانت ذاهبة لتكون بحالة أشبه بالصومال، لكن فجأة استيقظ العالم من جديد بسبب ذبح "تنظيم الدولة" لرهينتين أمريكيتين، وليس بسبب ذبح وتعذيب مئات آلاف السوريين، وتهجير الملايين منهم، ولهذا تمّت الدعوة لجولة جنيف 3 بعد حصول نوع من التوافق الدولي على وجوب "مكافحة الإرهاب"، والمفارقة طلب الأسد أن يصبح شريكاً في مكافحة الإرهاب هذه.

توالت جولات جنيف دون طائل، مع عجز هائل من الأمم المتحدة عن كبح جماح النظام في وحشيته المفرطة، كان الفيتو الروسي يحميه في كل مرة يضرب فيها بالكيماوي، أو يقوم بعمليات تدمير وحصار وتهجير ومجازر واسعة النطاق، وفي جزئية من هذه الرواية فعلت الأمم المتحدة شيئاً شبيهاً بقصة بيلاطس حين أرادت إراحة ضميرها، وحوّلت أو سمحت بتحويل الملف السوري إلى مسارين بعيدين عن أروقتها: أستانا وسوتشي، أراد بيلاطس إحالة محاكمة المسيح إلى "هيرودس" حاكم إقليم الجليل، هيرودس الأمم المتحدة أُريد له أن يكون بوتين روسيا، والجليل أريد لها أن تكون سوتشي أو أستانا التي أنهت أمس جولتها التاسعة، كان نظام الأسد وشركائه القاتلين الروس والإيرانيين على رأس الطاولة، وبيلاطس "الأمم المتحدة" يشهد معهم محاكمة الشعب السوري "الصدّيق.

يقول المسؤول الأممي: جنيف 9 لن تأتي قريباً، حتى لو استمر مسار أستانا في عقد جولاته مهما بلغت، الأمم المتحدة لا تملك حلاًّ، ولا رؤية لطرحها للتفاوض، وهي تنتظر ظهور إطار جديد من التفاهمات الدولية كي تدعو على أساسه إلى جولة جديدة من المفاوضات.

"سوريا ستؤرق مضاجعنا لفترة طويلة" كان هذا لبُّ الأزمة الأخلاقية التي تحدّث عنها منذ شهرين تقريباً نتالي نوغيريدي في مقاله "سوريا تقوّض أي زعم لأوروبا بأنها قوة أخلاقية"، الذي نشرته صحيفة الغارديان.

أضاف نتالي "أنه لا بد وأن يذكرنا أحد المؤرخين في يوم ما، إلى أي درجة أضاع الغرب فرص إجبار بشار الأسد للجلوس على طاولة المفاوضات، وكيف كان لديهم الوقت الكافي والقدرة الضاغطة لإيقافه وخاصة بواسطة الضربات الهادفة". ختم الكاتب مقاله بالقول: "الغرب مذنب وهذا أمر لا يمكن مناقشته".

"الجحيم على الأرض" كان هذا أبلغ وصف صادر عن الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام "أنطونيو غوتيريش" وهو يصف الغوطة الشرقية تحت جحيم الحصار والقصف المدمّر.

الرئيس الأمريكي السابق أوباما قال يوم كيماوي الغوطة 2013 "ليست مصداقيّتي هي التي على المحكّ، بل مصداقيّة المجتمع الدولي." فشل أوباما في تمرير قرار معاقبة نظام الأسد على استخدام الكيماوي مع أنه كان قد قال: "أمريكا "تعرف أنه لو فشل المجتمع الدولي في فرض بعض المعايير والقيم المعينة التي تحكم الطرق التي تتعامل بها الأمم والتي يعامل بها الناس، فإن ذلك بمرور الوقت سيجعل العالم أقلّ أمناً وأمانا."

متابعة نقل مثل هذه التصريحات "الأخلاقية" عن زعماء العالم يطول، وليس هو هدفاً بحد ذاته، لكن الجميع ينطبق عليهم ما جاء في دراسة عن الحاكم الروماني "ربما أراد بيلاطس أن يفعل الصواب، لكنه رغب أيضا أن يحافظ على منصبه ويرضي الجميع، وفي النهاية ‏اعتبر مهنته أهم من راحة الضمير وإجراء العدل، فطلب ماءً وغسل يديه مدّعياً أنه بريء من دم يسوع الذي أجاز إعدامه".

ربما كان المسؤول الأممي يشعر بالذنب وهو ينقل هذه الرسالة للمعارضة السورية، لكنه أيضاً يريد أن يحافظ على منصبه، وربما كان يتخيّل نفسه، أو الأمم المتحدة، مثل بيلاطس وهو ينقل الرسالة.

غسل الأيدي من دم الضحية البريئة طقسٌ يهودي كئيب، يترافق مع إنكار للجريمة، هو فقط طلبٌ لراحة موهومة للضمير، وصفها نصٌّ توراتيُّ قديم:

"يَقُولُونَ:‏ ‹لَمْ تَسْفِكْ أَيْدِينَا هٰذَا ٱلدَّمَ،‏ وَلَا رَأَتْ عُيُونُنَا ذٰلِكَ".

ختم المسؤول الأممي الاجتماع بقوله: قد تسمعون قريباً من يقول للسوريين: "دبروا حالكم، غسلنا أيدينا منكم".