السبت 2017/12/09

يا قدس كلهم أصحاب إفك.. إلا السوريين الجدد

أغلب الذين شجبوا ما أعلنه "ترامب" عن القدس عاصمة لإسرائيل من العرب والمسلمين لم يقنعوا حتى خاصة أهل بيتهم أنهم صادقون. أغلب الذين استنكروا كانوا سنين وسنين يمدون أيديهم إلى اسرائيل سراً وعلناً، مباشرة أو من خلال وسيط.

أغلب الذين أدانوا قد مهّدوا لهذا القرار قبل صدوره بقصد أو بتجاهل مقصود، ولعلهم اطلعوا على القرار ووافقوا عليه قبل أن تُعرض مشاهد إخراجه المسرحية التي فيها مشهد "الأكشن" المثير لتوقيع ترامب الطويل العريض.

وأغلب الذين حذروا من تبعات قرار "ترامب" من روس وأوربيين وغيرهم قد مُردوا على النفاق ولن يطول بهم الوقت حتى يتلاحقوا وراء الإدارة الأمريكية التي تمضي غالباً منفردة ثم تجرُّ خلفها حلفاءها بصورة أو بأخرى.

هم تُجاه القدس أصناف وأنواع ولكنهم يجتمعون بصفة مشتركة تجاه القدس السليبة .. إنهم أصحاب إفك مبين...كلهم أصحاب إفك مبين إلا السوريين الجدد.

كتَّاب ثوريون سوريون كُثر توقفوا عن الكتابة لسوريا وعن نهر الدم الدافق الغزير في سوريا ليكتبوا: القدس لنا...فلسطين لنا...

ثوار سوريون منشغلون بقضيتهم في مجالات شتَّى بآن واحد توقفوا قليلاً وهتفوا للقدس السليبة كما هتفوا لسوريتهم الجريحة وصاحوا: نحن شعب عربي واحد ولن تنسيَـنا قضيتنا قضية القدس وفلسطين...بل هي قضية واحدة لمن تمعّن ووعى.

ومقاتلون سوريون على الأرض مازالوا صامدين ومستمرّين في مواجهة عدوِّهم اللئيم، لم تمنعهم آلات القتل من فوقهم ومن أسفلَ منهم أن يصيحوا: "والله لولا أميركا واسرائيل لما بقي إلى الآن الأسد". هم يُدركون تماماً أن الذي ضغط على كل الدول الكبرى للإبقاء على بشار الأسد هي "اسرائيل".

هم اليوم موقنون أن آل الأسد شركاء لإسرائيل منذ أول يوم ادّعَوا فيه الصمود والتصدي ثم المقاومة والممانعة.

في نهاية عام 2011 نشرنا مقالاً نصف فيه التفرّج الاسرائيلي والضغط الإسرائيلي للإبقاء على بشار وتساءلنا: هل دماء السوريين رخيصة إلى الحد الذي يكون "دم سوري لفطير صهيون" وهي إشارة تربط بين التفرج الاسرائيلي على أنهار دمائنا وبين مقولات في التراث اليهودي تتحدث عن وضع دم لغير يهودي في فطير عيد الفصح اليهودي...

وفوجئ كثيرون بأثر المقال الذي تُرجم ونُشر على مواقع صهيونية أدرجت الكاتب ضمن العشرة الأوائل في معاداة السامية لعام 2011 ، ولم تُعلق أبداً على دور اسرائيل الفعلي في استمرار بشار الأسد.

اسرائيل استخدمت وعبر عشرات السنين سياسة تكريس الأمر الواقع وعوَّدت الأسماع والأبصار والمحافل على أمر جعلته واقعاً وهو اغتصاب الأرض والحرمات وأظهرت دائماً بعد أن كرّست وأخذت الاعتراف بأنها دولة أن القدس عاصمة لهذه الدولة.

الصهاينة اغتصبوا أرض وحقوق وأملاك غيرهم ورسموا للعالم مشهداً هم فيه المشرّدون "المساكين".. كانوا وما زالوا يقتُلون ويدخلون في حروب هدم وإزالة ضد الفلسطينيين ويصيحون وينوحون أنهم هم المهددون وأنْ "لا مكان لهم تحت الشمس" وأنهم أقلية مستضعَفة وسط بحر لُجِّي هائج من العرب المحيطين بهم كإحاطة السوار بالمعصم....بل يُظهرون أنفسهم رعاة لحقوق الإنسان في المنطقة خاصة بعد ظهور إجرام آل الأسد في سورية إلى السطح.

وآل الأسد مضوا على نفس السياسة الصهيونية فاغتصبوا الحكم وتحكموا بالحديد والنار وأوحوا إلى الغافلين المغفلين أنهم هم حماة الأقليات من كل نوع.

يقتُلون ويعذِّبون وينتهِكون كل الحرمات وهم خائفون من الأكثرية ...يبيدون مدناً بأكملها وهم متوجِّسون من الأكثرية، ولا زلت أذكر في اليوم الثالث للثورة كيف أفصحت إحدى السيدات "العلويات" في الخارج عن خوفها الشديد على أهلها في إحدى قرى ريف حماة ونسيت أنها تُطلِق على نفسها لقب "مُعارِضة للنظام".

يقتلون ويبيدون في كل أنحاء سوريا و هم خائفون....يا له من نوع مهول من الخوف العجيب.

وبشار الأسد كالصهاينة كرَّس الأمر الواقع فعوَّد الأسماع والأبصار و التقارير على مئات وآلاف من القتلى كل شهر، ثم عوَّدهم على رقم تراكمي جاوز بعد سبع سنوات المليون قتيل وجاوز المليوني جريح ومئات آلاف المعتقلين وملايين المشردين والمهجرين واللاجئين. ولم ينس أن يبرهن دائماً أنه إنما يقاتل الإرهاب...

وهو يكرس أمراً واقعاً جديداً في سوريا، فيه التغيير الديمغرافي والاجتماعي والديني إنه "يُنقّي ويُجانس" بعلم كل اللاعبين الكبار.

يا قدس... كلهم أفَاكون كاذبون إلا السوريين الجدد. السوريون الجدد لم يرتموا في أحضان إسرائيل ومن قال يوماً لهم إن القرار الدولي هناك في إسرائيل فتعالوا إليها، قلنا له :لقد تورَّطت اسرائيل في الدم السوري عبر "لوبياتها" ولن تتخلى عن بشار.

وعندما زار البعض اسرائيل سراً أو جهراً قلنا له: أنت لم تحترم الثوار السوريين ولم تستشرهم، إن للثوار قيماً وثوابت على الجميع احترامها.

وحتى الجرحى الذين نقلتهم اسرائيل إلى مشافيها لتتاجر بهم ولتظهر على أنها راعية للإنسانية في صحراء الهمجية، عوتبوا بشدة رغم أن الجريح وفاقد الوعي لا عتب عليه ولا حرج.

يا قدس حتى الذين اقتربوا كثيراً من إيران وهم مقاتلون من أبنائك ويقاتلون باسمك حذَّرناهم مراراً وقلنا لهم "الأقصى لُبُّ القدس وقلبها، فلا تدنِّسوا داخله بالشرك الصفوي الفارسي".

يا قدس أصحاب الإفك يتاجرون بك ويبيعون ويشترون باسمك ويحكمون مستبدين باسمك واستهلكوا كل الشعارات التي فيها اسمُك؛ ولكنهم لم يصلوا إلى شعار للسوريين الجدد.. بدؤوا به ثورتهم وهم يخصُّونك به اليوم :" يا قدس إحنا معاكِ للموت ...يا قدس إحنا معاكِ للموت".