الأحد 2018/01/07

هل ينحني “سياسيو المعارضة السورية” لإعصار سوتشي؟

رغم عدم حسم الأمور على الأرض، يسعى فلاديمير بوتين بخطا متسارعة إلى صناعة إنجاز في سوريا، يكون بمثابة صكّ البقاء في الكرملين لفترة رئاسية رابعة. وفي هذا الإطار سارع الرئيس الروسي إلى "إعلان النصر" على تنظيم الدولة شرق سوريا، ما عدَّه الأميركيون تجاوزاً للحقيقة، و"نصراً إعلامياً" فقط.

يحاول حاكم الكرملين أن يسير في سوريا على خطَّين متوازيين يضمنان له الخروج بإنجاز تاريخي يتمثل في وصول روسيا إلى المياه الدافئة بخسائر قليلة جداً، بالإضافة إلى تثبيت أركان نظام الأسد الذي لم يعُد له وجود فعلي إلا في الاسم فقط، فالحاكم الفعلي في سوريا هو الرئيس الروسي الذي يرسم خطوط السياسة والميدان، ويزور قواعده هناك كصاحب للأرض، بينما يقوم باستدعاء بشار الأسد كضيف بلا وزن. يطول تعداد المكاسب التي حققتها روسيا في سوريا، ويطول كذلك سرد المخاطر التي يتضمنها الحفاظ على تلك المكاسب.

بالتوازي مع سعي محموم لقضم مزيد من الأراضي السورية لاستخدام السيطرة عليها ورقة ضغط في التفاوض، يسير بوتين على مسار سياسي لا يقِل خطورة عن مسار الميدان، وفي سبيل ذلك حاولت موسكو جاهدة صناعة معارضة على مقاس تطلعاتها من خلال تدخلها -بتعاون مع السعودية- وراء كواليس مؤتمر الرياض2 الذي انعقد أواخر تشرين الثاني الماضي، ونستطيع القول إن موسكو حققت جزءاً كبيراً مما تصبو إليه عبر إدخال منصات تواليها في الرؤية العامة، وتستجيب لأجنداتها ومخططاتها الرامية إلى تصفية الثورة السورية من خلال أطراف "محسوبة على المعارضة".

على أية حال ..سارت روسيا سياسياً على عدة مسارات استطاعت الربط فيما بينها نتيجة تحكمها في الوضع الميداني منذ سقوط حلب نهاية 2016، ففي جنيف نجحت في تمييع مَطالب المعارضة بمناقشة بند الانتقال السياسي، وأدخلت المفاوضات في مستنقع مناقشة الدستور ومكافحة الإرهاب وشكل الدولة السورية القادمة، وفي أستانا نجحت كذلك في حشد تأييد لرؤيتها عبر استبعاد المعارضة السياسية والتفاوض مع عسكريين يسهُل الضغط عليهم من قِبَل حلفائهم، ووفقاً لذلك وجدت روسيا نفسها قادرة على الدعوة إلى مؤتمر موسَّع للمعارضة في سوتشي، قالت مُسبقاً إن من يُصرّ على رحيل بشار الأسد سوف يُمنع من حضوره، وبذلك رسمت الخط العام للمؤتمر الذي لن يكون سقفه سوى حوار على محاصصات بمثابة جوائز ترضية، مع إقرار الجميع ببقاء "قاتل المليون" في مرحلة زمنية قد تطول لسنوات وربما عقود.

لعل أحداً يقول : ما حاجة روسيا إلى مؤتمر مثل سوتشي لإعلان تصفية الثورة؟ ألا تستطيع فعل ذلك على الأرض وسط أكبر حالة ضعف تصيب المعارضة المسلحة "المعتدلة وغير المعتدلة"؟

الجواب أن روسيا تستطيع القيام بذلك بالفعل، لكن في هذه الحالة ستنقصها الشرعية أمام المجتمع الدولي وأمام الأطراف المتناحرة في سوريا، إذ ستكون فعلياً قوة احتلال فرضت رؤيتها بآلاف الأطنان من القنابل والأسلحة المحرمة. ما تريده روسيا هو أن تأتي المعارضة إلى سوتشي لتوقع صك هزيمتها، وتشرعن لموسكو ترتيب البيت السوري كما تريد "على الأقل في المناطق الخارجة عن نفوذ الولايات المتحدة"، وإن حصلت روسيا على ما تريد في سوتشي فلن يحاسبها أحد على ما فعلت وتفعل بسوريا، سيكون جوابها جاهزاً : هذه المعارضة رضيت بهذا الواقع فما شأنكم؟ سيتبع ذلك رفع ملفات سوتشي إلى مجلس الأمن، لتؤمِّن روسيا شرعية دولية كذلك، تُبعد عنها تُهم اختراق القانون الدولي، وتنجو أيضاً من عواقب ارتكابها جرائم حرب ضد المدنيين السوريين.

هذا السيناريو الأكثر إفزاعاً ليس تحليلات، بل هو معلومات تعيها جيداً المعارضة السياسية السورية، وتعرف مآلاتها، فهل تستجيب للدعوات لهذا "المؤتمر الشيطاني" بإرادتها أو تحت الضغط؟؟

بعض المراقبين يقيس سوتشي بأستانا، ويقول إن المعارضة ستذهب مجبرة تحت ضغوط الأطراف الإقليمية والدولية كما فعل قادة الفصائل العسكرية في أستانا، والجواب على أصحاب هذا الرأي ينبع من قياسهم الخاطئ، فالأطراف المعارضة التي شاركت في أستانا عسكرية، والعسكر بالطبيعة يستجيبون للضغوط ولا سيما في وضع مشتبِك كالوضع السوري، ثم إنهم ذهبوا إلى مؤتمر عنوانُه العريض تثبيت خطوط وقف النار، وليس تصفية الثورة.

يقول أحدهم إن الأمر مختلف مع المعارضة السياسية التقليدية، ومع العنوان العريض لسوتشي، فالمعارضة السياسية أثقل وزناً أمام المجتمع الدولي من العسكرية، ولا يمكن بأيّ حال أن ترضخ للضغوط، وقد رأينا من قبلُ كيف استقالت شخصيات من الهيئة العليا للمفاوضات قبل انعقاد مؤتمر الرياض2 احتجاجاً على ضغوطات مورست عليهم لحضور المؤتمر والقبول بمخرجاته.

نحن بالطبع لا نتحدث عن المعارضة المُهجّنة التي يعرفها الجميع، ولا نتحدث عما يسمى "معارضة الداخل" التي لا نشكّ قيدَ أنملة أنها صناعة أسدية روسية إيرانية، نحن الآن نتحدث كما سلف عن المعارضة السورية التقليدية، التي تدرك جيداً أن كل ما حققه الأسد وروسيا بلا وزن أو قيمة إذا لم تقم هي بشرعنة ذلك، والقفز على دماء مليون سوري، المعارضة السورية التقليدية تعلم كذلك أن القوة على الأرض لا تساوي فِلساً في منطق الثورات الشعبية، فملايين السوريين خرجوا عُزّلاً في 2011 ولم تكن ثورتهم حينها قد سيطرت على شبر من الأرض.

الواقع المتردي على الميدان اليوم قد يدفع المعارضة المسلحة إلى اليأس لأنها هي من تقوم بالواجب العسكري تجاه الثورة، أما المعارضة السياسية فلا يمكن بأي حال أن تقفز على مطالب الثورة برحيل بشار وزمرته عن مستقبل سوريا، ولا تملك البتة أي تفويض بالتنازل عن فاتورة سبع سنوات دفعها السوريون دماً وتهجيراً ونزوحاً، كثير من وجوه المعارضة السياسية خرجوا على الفضائيات ليصنعوا ثورة تساند ثورة السوريين في الساحات والشوارع، ولم يكن للثورة حينها مكاسب ولا ضحايا ولا خارطة.. فهل يُضيع هؤلاء البوصلة بعد سنوات سبع عجاف؟

 


المقالة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة عن رأي الموقع