الخميس 2018/11/15

هل تفك مليشيات “ب ي د” ارتباطها بحزب العمال الكردستاني؟

في الوقت الذي أعلنت فيه مليشيات "ب ي د" استئناف المعركة ضد تنظيم الدولة في آخر جيوبه شرق الفرات، تشير المعطيات على الأرض إلى تغيُّر نوعي في موقف الولايات المتحدة إزاء التنظيم الذي حظي بدعمها منذ إنشاء التحالف الدولي عام 2014.

في الأيام الأخيرة صعّدت تركيا خطواتها على الأرض وعبرَ التصريحات ضد مقاتلي حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" المعروف اختصاراً بـ"ب ي د"، الذي يُعدّ الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنّف إرهابياً في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. شمِل التصعيد على الأرض قصفاً تركياً لعدة مواقع شرق نهر الفرات، في عين العرب وتل أبيض ورأس العين ( الواقعة في محافظات حلب والرقة والحسكة على الحدود التركية )، بينما أخذت تصريحات المسؤولين الأتراك خطاً واحداً يشير إلى عملية عسكرية مرتقبة في تلك المناطق.

منذ العام 2014، بدأ التوتر يخيّم على العلاقات الأميركية التركية عقب دعم واشنطن مليشيات "ب ي د" بالسلاح والذخائر، لهدف معلن هو "محاربة تنظيم الدولة"، بينما ترى أنقرة أن الهدف هو تهديد أمن تركيا من خاصرتها الجنوبية، وعلى يد عدوّها التقليدي، المسؤول عن ارتكاب تفجيرات أودت خلال أعوام بحياة نحو 40 ألف مواطن تركي. وطالما وصفت أنقرة السياسة الأميركية في سوريا بازدواجية المعايير، وأكدت أنه لا يمكن محاربة تنظيم إرهابي (في إشارة إلى تنظيم الدولة) عبر تنظيم إرهابي آخر ( في إشارة إلى "ب ي د").

دواعي الخطة الأميركية الجديدة:

ومع قرب انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة، يبدو أن الولايات المتحدة ستجد نفسها مجبرة على البقاء في سوريا لقطف ثمار التدخّل، وهذا غير ممكن ظاهرياً مع انتهاء ذريعة التدخل. ومع سقوط ورقة تنظيم الدولة ستجد الولايات المتحدة نفسها شريكة لتنظيم يصنِّف نفسه أنه امتداد لتنظيم إرهابي آخر "ب ك ك"، وهذا ما لا يتيح له مستقبلاً المشاركة بأي عملية سياسية حقيقية.  ناهيك عن أن الولايات المتحدة تريد في الوقت نفسه استعادة الثقة مع حليفها القوي "تركيا". كل ذلك يشير إلى خطة أميركية في الأفق، تضمن للولايات المتحدة مصالحها في سوريا مع الإبقاء على شريكها "ب ي د" بشكل جديد، يعلن فيه الحزب فك ارتباطه بحزب العمال الكردستاني.

واشنطن بدأت الخطة عملياً، وذلك من خلال إصدار قرار غير مسبوق برصد ملايين الدولارات كجائزة لمن يقدم معلومات تساهم بالقبض على ثلاثة قياديين مطلوبين من "ب ك ك ". مع أن أنقرة وصفت الخطوة بـ"غير الكافية".

في تصريح لموقع "باسنيوز" الكردي، أوضح "علي مسلّم" القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أن هذه الخطوة الأميركية "بمثابة رسالة" لمليشيات "ب ي د" بضرورة فك ارتباطها بحزب العمال، وأن القرار "يأتي تتويجاً لاتصالات تركية مع واشنطن بعد أن أخذت أنقرة الضوء اﻷخضر دولياً لشن عملية شرقي الفرات". وأكد "مسلّم" أن هذا الإعلان "يأتي بمثابة الدعوة الصريحة لطمأنة تركيا ولا سيما أنه كان في قلب العاصمة التركية أنقرة على لسان مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي "ماثيو بالمر"، فهي خطوة قد تساعد في إصلاح العلاقات المتوترة بين الجانبين".

القرار الأميركي ظهر صداه في مناطق سيطرة "ب ي د" سريعاً، حيث قامت المليشيات بإزالة جميع راياتها وصور عبدالله أوجلان زعيم "ب ك ك" من مناطق سيطرتها شرق الفرات؛ تنفيذاً لأوامر وجّهها التحالف الدولي.

في غضون ذلك ذكرت مصادر إعلامية مقربة من مليشيات "ب ي د" أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، طالبت الحزب بفك ارتباطه مع تنظيم "ب ك ك"، وذلك استجابة لمطالب أنقرة. وقال موقع "رووداو" الكردي إن مصادر من داخل ما يسمى "مجلس سوريا الديمقراطية" أكدت أن وفوداً منفصلة من الدول الثلاث طالبت بأن تكون القرارات المتعلقة بمناطق شرق الفرات بمعزلٍ عن أي تأثير من منظمة "ب ك ك"، "حيث زار وفد بريطاني مدينة القامشلي شمال شرق سوريا قبل بضعة أيام، سبقه وفد أمريكي-فرنسي لبلدة تل أبيض الحدودية مع تركيا".

واقعية الخطوة وجدواها:

رفع محتجّون أكراد صور القادة الثلاثة المطلوبين للولايات المتحدة، خلال تظاهرة بإحدى مناطق محافظة الحسكة. يبدو الأمر تحدّياً لواشنطن، غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فحين تقرّر أميركا فعلياً فك ارتباط "ب ي د" بتنظيم "ب ك ك" فلن يكون من "الاتحاد الديمقراطي" سوى الإذعان والتنفيذ.. لكن ما رأي تركيا بالموضوع؟

لن يمرّ الأمر على أنقرة بهذه البساطة، فالأتراك يدركون جيداً أن عناصر "حزب العمال" هم من يمسكون فعلياً زمام الأمور في مناطق "ب ي د" منذ 2013، حين سمح نظام الأسد لمقاتلي "جبل قنديل" بالتغلغل في مناطق شمال شرق سوريا، وليست خطوة فكّ الارتباط اسمياً كافية بالنسبة لتركيا، التي كرّر مسؤولوها كثيراً أن دولتهم تفرّق بين الشعب الكردي وبين "الإرهابيين".

لن نتحدث مبدئياً عن صعوبات تطبيق هذا المخطط على الأرض، غير أن من شأنه – في حال تم تطبيقه بإخلاص – أن يعيد الأكراد إلى حاضنتهم السورية، ويمنع مليشيات "ب ي د" من أحلام الانفصال وتهديد الأمن القومي التركي.

من شأن خطوة كهذه أن تُنهي تماماً التوتر القائم بين واشنطن وأنقرة حول سوريا، وما يترتّب على ذلك من تعاون الطرفين سياسياً، إضافة إلى تطبيق فكرة إنشاء مناطق آمنة شرق وشمال سوريا، تساهم في عودة النازحين واللاجئين، وتشكيل قوة اقتصادية كبيرة في مناطق الحماية التركية والأميركية. قيام منطقة بعيدة عن سلطة الأسد بهذا الحجم، لا بد أن يُجبر روسيا على إعادة حساباتها في سوريا، والضغط على الأسد لقبول مبدأ الانتقال السياسي.