الأربعاء 2018/05/23

هل تتجه الجبهات السورية نحو هدوء شامل ؟

مع سيطرة قوات النظام على كامل مدينة دمشق وريفها للمرة الأولى منذ نحو 6 سنوات عقب نحو شهرين من المعارك بدأتْ أولاً في الغوطة الشرقية ثم فرض عليها الروس اتفاقية التهجير القسري نحو الشمال السوري، وامتدت هذه الاتفاقية لتشمل مناطق القلمون الشرقي والجنوب الدمشقي بشقيه الذي كان خاضعاً للجيش الحر وهيئة تحرير الشام وسلَّم دون قتال، والآخر الذي كان خاضعاً لتنظيم الدولة، وتزامن ذلك أيضاً مع سيطرة النظام على المنطقة الوسطى عقب اتفاقية تهجير في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي كذلك خرجت الفصائل منها دون إطلاق رصاصة واحدة.

بعد هذه التغيرات النوعية في خارطة السيطرة بسوريا التي آلت لصالح النظام مستفيداً مع دعم روسيا التي أشرفت على جميع عمليات سيطرة النظام سواء من خلال المعارك مثل شرق السكة قبل شهور، أو من خلال التهجير كما حصل مؤخراً بات الترقب سيدَ المشهد فيما يخص احتمالات توسيع العمليات العسكرية للاحتلال الروسي في المناطق المحررة، والتي باتت منزوية في الشمال والجنوب بنسبة نحو 10 بالمئة، مع إبعاد احتمالية شن النظام هجوماً موسعاً على مواقع المليشيات الكردية شرق سوريا بسبب اعتبار المنطقة خاضعة لقوات التحالف الدولي شريك روسيا في اقتسام المصالح في سوريا رغم وجود خلافات بينهما في بعض الأحيان ومناوشات محدودة بين مليشيات الطرفين بين الفينة والأخرى.

في الحديث عن الشمال السوري وفق الظروف والتفاهمات الروسية التركية "حالياً" لا يبدو أن هناك أي مؤشر عن عملية عسكرية في هذه المنطقة التي باتت مأوى لملايين المهجرين والنازحين ، ما يعززُ ذلك تطويق المنطقة من قبل القوات التركية من خلال نقاط المراقبة التي بلغ عددها 12 نقطة ، تبدو بمثابة جدار أمام التقدم البري من قبل قوات النظام ، هذا من جانب ومن جانب ثان فإن وجود مئات آلاف المهجرين من مدنيين وعسكريين رفضوا التسوية مع النظام إضافة إلى العدد الأساسي من الكتائب الثورية قد يكون العائق الأكبر أمام النظام من ناحيتين؛ الأولى أن تلك الفصائل العاملة ستكون قوية جداً وستقاتل بمعركة حياة أو موت، والثانية أن الروس لا يرغبون في تخريب العلاقات مع تركيا ويستمرون باللعب على جميع الأوتار من جنيف إلى أستانا إلى سوتشي إلى ما لا ندري في المستقبل بهدف تحقيق مكاسب سياسية إضافة إلى العسكرية، وأي عملية كبيرة ضد إدلب ستؤدي إلى موجة نزوح جديدة نحو الحدود التركية تغضب الأتراك، كما إن خيارات فرض اتفاقات تسوية ستكون بعيدة جداً مع أشخاص مهجرين لأنهم في الأصل رفضوا التسوية مع النظام في مناطقهم الأساسية التي كانوا يقاتلون فيها قبل تهجيرهم.

أما في الحديث عن المنطقة الجنوبية فلا يبدو الوضع فيها يتجه نحو التصعيد رغم تلويح الاحتلال الروسي مؤخراً بأنه من الوارد شن عملية عسكرية ضد جبهة النصرة وتنظيم الدولة مع انتهاء خفض التصعيد، السبب في ذلك يعود إلى كون هذه المنطقة في هذا الوقت منطقة استفزازات وتصعيد بين الاحتلال الإسرائيلي والمليشيات الإيرانية المنتشرة بكثافة في الجنوب السوري، ومن غير الوارد أن تدعم روسيا مليشيات إيران في وقتٍ دعا فيه بوتين لسحب كافة القوات الأجنبية من سوريا بما فيها الإيرانية، فدعم روسيا لعملية عسكرية في هذه المنطقة يعني فعلياً دعم توسع النفوذ الإيراني، والذي يشهد في هذا الوقت حراكاً أمريكياً إسرائيلياً سعودياً لتقليصه وطرد إيران من سوريا، هذا فضلاً عن الغارات الإسرائيلية المتكررة على مليشيات النظام، بل إن من المتوقع أن تدعم واشنطن شن عملية عسكرية بمشاركة فصائل من الجيش الحر ضد المليشيات الإيرانية حال رفضت الخروج من سوريا سلماً.

الجبهات السورية إذنْ متجهة نحو تهدئة شاملة في هذا الوقت وفقاً لمصالح الدول الفاعلة مع عدم استبعاد حدوث بعض المناوشات المحدودة، وتحريكُ الجبهات في الشمال السوري والشمال الشرقي رهين بشكل أساسي بما ستأتي به الانتخابات الرئاسية التركية في 24 حزيران المقبل، وأما إشعالها في الجنوب السوري فيرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموقف الدولي من إيران والجدة الفعلية بطردها من سوريا ، فإن لم يكن هناك رغبة حقيقة بالإقدام على هذه الخطوة فإن هذه المنطقة ستكون مهاجمتها بالنسبة للروس أولى من مهاجمة الشمال.