السبت 2017/10/28

هل العداء “مستحكم وشرس” إلى هذه الدرجة بين أميركا وإيران؟!

في يوم 23-10-2017 في ذكرى تفجير مقر المارينز ببيروت عام 1983 قال مستشار الأمن القومي "أيتش آر ماكماستر" إن "حزب الله" ارتكب "جريمة القتل الجماعي هذه، نيابة عن فيلق الحرس الثوري الإيراني". وأضاف أن قائد الحرس الثوري الذي خطط للهجوم كان حتى شهرين فقط وزيرا للدفاع في إيران.

وقبل ذلك في يوم الجمعة 13-10-2017 أرغى ترامب وأزبد ضد إيران وهدد وتوعد ولم يلغ التزامه بالاتفاق النووي بل قال "سنعدل ونغير ونعيد النظر والصياغة".

وفي نفس اليوم الجمعة مساءً بعد ساعات من تصريحات ترامب صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني، كـ "منظمة إرهابية"، وقال وزير الخزانة "ستيف مونشن": "إن فيلق القدس التابع للحرس الثوري يُعدّ القوة الرئيسية التي مكّنت الرئيس السوري، بشار الأسد، من مواصلة حملات العنف الوحشي ضد شعبه، فضلاً عن دعم الأنشطة الفتّاكة لحزب الله وحماس وغيرها من المجموعات الإرهابية"، وشدّد مونشن على أن وزارته "ستسعى لعرقلة النشاطات التخريبية للحرس الثوري"

وصدرت عناوين كل الصحف في العالم في اليوم التالي تقول: "أميركا تُدرج الحرس الثوري وكل منظماته كمنظمات إرهابية".

ولكن وزير الخارجية الأميركي "تيلرسون" وبعد تصريحات وزير الخزانة قال: "إن واشنطن قررت عدم إضافة الحرس الثوري إلى قائمة المنظمات الإرهابية الخاصة بوزارة الخارجية، مشيرا إلى "المخاطر والتعقيدات الخاصة لوصم جيش كامل لدولة بهذا الوصف ".

وعلى ذلك يكون التصنيف في قوائم وزارة الخزانة من الناحية التقنية مختلفاً عن  "لوائح الإرهاب" في وزارة الخارجية الأمريكية، ما يعني أن الحرس الثوري "إرهابي" في وزارة الخزانة الأمريكية و"غير إرهابي" في وزارة الخارجية الأمريكية.

ويبدو أن الأمريكان قد أصدروا ملحقاً صحفياً يشرحون فيه هذه التعقيدات لتفهم الصحافة الأمر ولتنشر موضحة للمتابعين أن الحرس الثوري في المنظور الاميركي "إرهابي وغير إرهابي"

ويبدو أن قليلين هم الذين يعلمون أن أميركا لا تريد شلّ الحرس الثوري الإيراني في المناطق المتحالفة معه في العراق وربما في سوريا أيضا، وإنما تريد أن تُبقيه تحت الضغط والسيطرة ببعض العقوبات الاقتصادية المحدودة المطّاطة.

"قاسم سليماني" هو جنرال إيراني وقائد فيلق القدس منذ 1998 وهي فرقة تابعة للحرس الثوري الإيراني والمسؤولة أساسا عن العمليات العسكرية والعمليات السرية خارج الحدود الإقليمية. وفي يوم الأحد 15-10-2017 -أي بعد يومين من تصريحات ترامب النارية ضد إيران- كانت طائرات التحالف الأميركي في سماء كردستان العراق ولكن على الأرض كان قاسم سليماني يقوم بجولة هناك، لإنهاء الأمور في الإقليم وفق ما تريده إيران في قضية استقلال الإقليم واقتطاع كركوك..وأنهى سليماني فعلاً هذه الأمور كما تحب إيران وترضى...بل كما تحب إيران وأميركا معاً.

حكومة العبادي نفت أنها أمهلت القوات الكردية أي مهلة للانسحاب من كركوك ونفت نيتها باقتحام كركوك، وفي نفس اللحظة كانت قوات "الحشد الشعبي" تدخل وتجول وتنتهك في شوارع كركوك. ولم يترك قاسم سليماني الصحافة في حيرة حين تساءلت: من أمر بتحرك الحشد والجيش هناك إذن؟

لقد كان سليماني هناك يجول ويخطط ويوجِّه على الأرض، وطائرات التحالف الأميركي في السماء تجول أيضاً وتراقب وتبارك انسحاب الأكراد من كركوك وما حولها.

قاسم سليماني ضغط على حلفائه من الكرد في السليمانية لتسهيل المهمة فاستشاروا ربيبتهم الثانية أميركا واستجابوا وما كانوا ليقطعوا أمراً دون استشارتها، وأوعز سليماني للحشد وللجيش العراقي المواليين له فأنجزا المهمة بسرعة خاطفة.

لقد انحازت أميركا إلى ما تريده إيران وتخلت عن البرزاني، وقد ظن البرزاني أن مباركة "إسرائيل" له حقيقية، وأن هذه المباركة تضمن له الرضا الأميركي...ولطالما ظنَّ أنه الحليف الوحيد لأميركا ولطالما ردد "أميركا والجبل وحدهما صديقان للشعب الكردي"، وجَهِلَ البرزاني أن التحالف الأميركي الإيراني في العراق لا يفوقه تحالف ولا يعلو عليه وهم.

لقد صدَّق البرزاني الحملة الإعلامية لترامب وفريقه ضد إيران ونسي أن الذراع البرية للتحالف الأميركي هي ذراع إيرانية كاملة ولم تشكل "البيشمركة" إلا أصابع قليلة مؤقتة في هذه الذراع. ولم تنس أميركا إحجام البرزاني عن إقحام قواته في الموصل وفي أماكن أخرى غرب الموصل أثناء العمليات ضد تنظيم الدولة.

لقد تخلت أميركا عن البرزاني.. تخلت عنه إلى درجة مهينة؛ فالبرزاني الذي كان بالأمس مدللاً متكبراً أصبح اليوم يستجدي ويتوسل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها قبل الاستفتاء....والبرزاني يطلب الحوار واللقاء فيأتيه الجواب أن اللقاء لن يكون إلا لبحث انتشار قوات الجيش العراقي وربما ميليشيات الحشد الشعبي أيضاً على الحدود الدولية للإقليم وربما في المفاصل الرئيسية الداخلية للإقليم.

لقد مالت أميركا إلى الحليف الصدوق المجرَّب الذي لا يتردد...حليف مجرب في أفغانستان ومجرب في العراق مرتين. مرة أثناء الاجتياح عام  2003 وامتدت حتى الإجهاز الكامل على المقاومة العراقية، والمرة الثانية في عام 2015 ضمن الحلف المسمى بحلف مكافحة الإرهاب.

وليصرخ من في إيران ضد أميركا ما شاء له أن يصرخ، وليصرخ من في أميركا ضد إيران بما يفي بالعقود المبرمة،  فللصراخ فوائد والتزامات ودخان ...دخان يغطي تحالفاً قوياً عمره أكثر من ستة عشر عاماً عقدته الدولة العميقة في أجهزة حكومة الولايات المتحدة مع إيران.