الأربعاء 2018/06/20

نظرات في الضمانات الأمريكية لهدنة الجنوب السوري

"الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات حازمة وملائمة رداً على انتهاكات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد بجنوب غرب البلاد".. بهذه العبارة هددت واشنطن نظام الأسد في ليلة عيد الفطر بعد تصعيده في عدة بلدات بمنطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري التي تم التوافق عليها بين روسيا والأردن والولايات المتحدة العام الماضي.

التصريح هذا الذي لم يكن الأول من نوعه رد عليه نظام الأسد بحملة قصف مستمرة بلغت ذروتها خلال الأيام الثلاثة الماضية، مدخلاً إلى جانب سلاح المدفعية والصواريخ سلاح الطيران الحربي، إضافة إلى استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة من ضمنها عناصر لمليشيات حزب الله اللبناني، وتركزت التعزيزات في المناطق الشرقية والشمالية لدرعا، وهذا ما اعتبره الكثير من المحللين تحضيراً لعملية عسكرية تهدف إلى فصل منطقة اللجاة التي تضم عشرات القرى عن بقية مناطق درعا التي يسيطر الثوار على نحو 70 % منها.

ما الذي يجري في درعا إذن وهل يتجه النظام لشن عملية عسكرية وأين هو من التحذيرات الأمريكية الحازمة ؟ . يجيب عن هذا التساؤل ما تم بحثه خلال المحادثات المكثفة التي أجراها قائد الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب السوري في تل أبيب مع المسؤولين الإسرائيليين، ولا يبدو أن ما تم التوصل إليه بين الطرفين "ولم يُعلنْ عنه" يخرج عن ضماناتٍ قدمها الروس بإبعاد القوات الإيرانية عن الجنوب السوري وأخذ ضوء أخضر لتوسيع رقعة الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع مليشيات حزب الله وعموم المليشيات الإيرانية المنتشرة في الأراضي السورية، وهذا ما حصل فعلاً من خلال الضربة الأخيرة ضد مليشيات فيلق القدس والحشد الشعبي العراقي في ريف البوكمال والتي أسفرت عن مقتل العشرات منهم، ووصف مسؤول أمريكي الضربة بأنها كانت معقدة لوجستياً بعد أن نفى ضلوع واشنطن بها.

إذن نحن الآن أمام مراوغة أمريكية ليست بجديدة سبق وأن استخدمتها في استنكاراتها الخرافية لهجمات نظام الأسد في مدينة حلب في أواخر 2016 فضلاً عن الغوطة الشرقية ومناطق أخرى في البلاد ، وتحاول واشنطن بيع الوهم حول ضمانتها لاتفاق خفض التصعيد في الجنوب وهي في واقع الحال لا حاجة لها لا بالاتفاق ولا بالمنطقة الجنوبية على الإطلاق، خاصة بعد أن يتم طيُّ صفحة تحجيم مليشيات إيران في سوريا، وما تركزُ عليه واشنطن في سوريا بالوقت الحالي لا يخرج عن إطار الشرق السوري حيث تتمركز القوات والقواعد الأمريكية في تلك المناطق التي يمكن أن تستثمرها واشنطن بما يخدم مصالحها ، وأيُّ مصلحةٍ تكمن في المنطقة الجنوبية خاصة بعد أن أطلق ترامب رصاصة الرحمة عليها قبل نحو عام حينما أقر بوقف دعم الفصائل العاملة هناك بعد أن توصل إلى اتفاق خفض التصعيد مع الروس.

وأما عن الموقف الأردني الطرف الثالث باتفاقية خفض التصعيد فهو غير راض عن استمرارية بقاء معبر نصيب مغلقاً، ومن المرجح أن الأردن وافقت على معركة درعا بهدف منح النظام فرصة ليسيطر على المعبر التي تسبب إغلاقه بخسائر للأردن بملايين الدولارات يومياً ، ويجد الأردن نفسه مندفعاً بهذا الاتجاه في الوقت الذي يعاني منه اقتصاده كثيراً وما جرى من احتجاجات أطاحت بحكومة الملقي وأتت بحكومة جديدة خير دليل على ذلك.

إذن الجنوب السوري الآن يتجه نحو حرب قادمة لا محالة طالما أن الروس كانوا جادين في التعامل مع المخاوف الإسرائيلية الأمريكية بشأن الوجود الإيراني في سوريا وضرورة تحجميه، ويبدو أن الروس يسيرون فعلاً بهذا الاتجاه لأسباب ودلائل، أما الأسباب فعديدة وأولها عدم رغبتهم في وجود نفوذ إيراني يفوق نفوذهم في سوريا وثانيها محاولة ترويض القوى الدولية للقبول بواقع إعادة إنتاج النظام وفي هذا مصلحة كبيرة لها من شأنها تكريس نفوذها بشكل أكبر في سوريا وجعلها الوصية على نظام الأسد والمتحكمة بقرارته دون النظر بموقف إيران ، وأما الدلائل فمنها غضُّ الطرف عن الضربة الإسرائيلية الأخيرة على غير ما جرت العادة بعد كل ضربة تتلقاها مليشيات النظام وما يتبعها من تصريحات روسية مهاجمة ومنتقدة بشدة ، ومن الدلائل كذلك غياب الطيران الروسي عن دعم مليشيات إيران خلال الهجمات التي يتعرضون لها من قبل تنظيم الدولة في ريف البوكمال وعموم مناطق الريف الشرقي لمحافظة دير الزور.