الأحد 2018/09/30

من المستهدف من قرار تسليم “إس 300” لنظام الأسد؟

يبدو أن روسيا حسمت أمرها بتزويد نظام الأسد بمنظومة الدفاع الجوي إس300، عقب حادثة إسقاط طائرتها إيل 20 في 17 أيلول 2018، خلال قصف إسرائيلي على مواقع تابعة لنظام الأسد في محافظة اللاذقية.

القرار الروسي جاء بعد تخبط أعقب حادثة إسقاط الطائرة ومقتل 14 جندياً كانوا على متنها، إذ اتهمت موسكو بداية الأمر فرنسا، لتعود وتؤكد أن صواريخ تابعة لنظام الأسد هي من أسقطت الطائرة "عن طريق الخطأ"، ثم تستقر على رواية مفادها أن المقاتلات الإسرائيلية مسؤولة عن "تضليل" الدفاعات الجوية للأسد، وأن الطيارين الإسرائيليين "تصرفوا بطريقة غير مهنية".

صدرت تحليلات كثيرة حول حادثة إسقاط الطائرة "إيل20" منها ما ذهب إلى أن نظام الأسد أسقط الطائرة عمداً بعد ساعات من الاتفاق حول إدلب في سوتشي، ومنها ما أخذ الحادثة على ظاهرها، وقال إن روسيا وجدت في الحادثة ذريعة لسحب يدها من التنسيق مع تل أبيب حول سوريا.

هل القرار يستهدف إسرائيل فعلاً؟

تحدث الروس كثيراً بشأن مسؤولية تل أبيب عن إسقاط الطائرة، ووصف مسؤولون روس تصرفات تل أبيب "بالرد الجاحد"، وسط إصرار إسرائيلي على التنصل من المسؤولية، ما أوحى بأن تزويد نظام الأسد بـ"إس300" يستهدف بشكل مباشر النشاط الإسرائيلي في سوريا، ومضى بعض المحللين يسرد انعكاسات الغضب الروسي على تل أبيب.. فهل هذا واقعي؟

لدينا هنا معطيات تجعل فرضية كف يد إسرائيل في سوريا عن طريق "إس300" مثيرة للسخرية، ولا سيما أن موسكو اعترفت بأن الصفقة تأتي فقط في إطار حماية المصالح الروسية والجنود الروس في سوريا، وهذا في حد ذاته تناقض آخر، فكيف تريد روسيا حماية جنودها عن طريق "إس300" وهي التي تمتلك أصلاً منظومة "إس400" في سوريا؟

على أية حال.. إسرائيل قللت من شأن الصفقة، وأكد رئيس وزرائها ووزير دفاعها معاً بأن القوات الإسرائيلية ستواصل عملياتها ضد "الوجود الإيراني في سوريا"، وأوضح خبراء عسكريون أن منظومة "إس 300" متخلفة كثيراً عن مجاراة مقاتلات "إف 35" الإسرائيلية عالية التطوير.

والسؤال الأهم هنا.. هل ثمة توتر أصلاً بين تل أبيب وموسكو؟ وهل أراد بوتين فعلاً معاقبة نتنياهو؟

الثابت أن التنسيق بين موسكو وتل أبيب في سوريا جرى ويجري على مستويات أبعد مما هو مكشوف في العلن، فالعلاقات بين الطرفين تتجاوز التعاون العسكري والاستخباراتي بكثير، ولا سيما أن اللوبي المحيط بالرئيس الروسي هو من الوسط اليهودي الذي يضمن بقاء التنسيق على أعلى المستويات.

من المستهدف إذاً؟  

إذا ثبت لدينا أن صفقة تسليم الأسد منظومة "إس 300" لا تستهدف النشاط الإسرائيلي في سوريا لأسباب ذكرنا جانباً منها سريعاً، فلا بد من البحث عن طرف آخر أرادت روسيا تحجيم دوره بشكل غير مباشر.

غداة إسقاط إيل 20 صرح متحدث الكرملين ديمتري بيسكوف بأن الحادثة لن تؤثر في تطبيق اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة، وبدا التصريح غريباً نوعاً ما من حيث الربط بين اتفاق إدلب وحادثة إسقاط الطائرة التي لا تخص تركيا من قريب أو من بعيد. قد يكون هذا الربط زمنياً فقط، لأنه جاء بعد ساعات من إبرام اتفاق سوتشي بين أردوغان وبوتين، وقد يكون السبب مختلفاً.

إشكالية سوتشي:

حاولت تركيا جهدها إيقاف معركة لروسيا ونظام الأسد في إدلب، لأسباب يطول تعدادها، أهمها أن إدلب تشكّل امتداداً لمناطق السيطرة التركية في الشمال السوري "درع الفرات وغضن الزيتون". يبدو أن روسيا لم تشأ انتزاع قرار المعركة من حليفها التركي، فتوصّلت إلى اتفاق قالت هي والأسد إنه "مؤقت" لضمان خروج "الجماعات المتطرفة" من المنطقة، مع إسناد هذه المهمة للجانب التركي.

لم تمض ساعات على اتفاق سوتشي حتى ظهر الخلاف في تفسيره، ما أدى إلى وجود نقاط خلافية بين موسكو وأنقرة تحدثت عنها مؤخراً صحيفة "الشرق الأوسط" نقلاً عمن وصفتها بالمصادر المطلعة.

مراقبون رأوا أن الاتفاق في أساسه لا يضمن لتركيا ما تريد من جعل منطقة إدلب امتداداً لمناطق نفوذها في الشمال السوري، وذلك على الرغم من وجود نقاط المراقبة في محيط إدلب، وربما يصح القول إن موسكو أرادت إلقاء الكرة في الملعب التركي، وهي تعلم أن أنقرة لا تستطيع وحدها حل مشكلة إدلب، وهذا ما صرح به المسؤولون الأتراك مراراً، واعتبروا أن من الإجحاف تحميل تركيا المسؤولية في هذا الملف.

الأمر باختصار أن روسيا وضعت نصب عينيها فشل اتفاق سوتشي، وبالتالي السماح للأسد بشن عملية عسكرية واسعة في محافظة إدلب، لكن هذه العملية ستصطدم لا شك بالوجود العسكري التركي هناك، ولا سيما أن أنقرة أرسلت مزيداً من التعزيزات والأسلحة الثقيلة إلى هناك، تعويضاً عن السلاح الذي يفترض أن ينتزع من الفصائل في المنطقة العازلة.

"إس 300" تستهدف تركيا بشكل مباشر:

في ظل هذه المعطيات، لا بد من تحييد تركيا في حال نشوب معركة، وهنا لا تستطيع موسكو مواجهة أنقرة بحكم التحالف الحالي بين الطرفين، فكان لا بد من تزويد الأسد بسلاح إستراتيجي يضمن على الأقل تحييد مقاتلات "إف 16" التركية في حال قرّرت تركيا مواجهة عمل عسكري واسع تجاه حدودها في الشمال السوري، وفي هذه الحالة تبتعد روسيا عن الإحراج أمام حليفها، لأنها أساساً زوّدت الأسد بهذه المنظومة رداً على إسرائيل ولحماية الجنود الروس  -بحسب زعمها-.

قد يقول قائل: إن منظومة الدفاع الجوي التي تسلمها روسيا لنظام الأسد ستكون في الجنوب السوري وليس في الشمال. هذا صحيح لكن المنظومة الدفاعية في النهاية قابلة للنقل، وليس أسهل من نقلها إلى نقاط المواجهات في حماة واللاذقية في حال حدوث السيناريو السابق، كما إن وضع المنظومة في الجنوب السوري يوحي بأنها موجهة فعلاً ضد النشاط الإسرائيلي وهو ما تم دحضه جملة وتفصيلاً فيما سلف.