الجمعة 2019/01/04

من المستهدف من إعادة العلاقات العربية مع النظام.. طهران أم أنقرة؟ (تحليل)

في خطوة لم تكن مفاجئة، أعلنت الإمارات إعادة فتح سفارتها بدمشق، تلتها مملكة البحرين، التي لا تقدم على خطوة ذات شأن دون استشارة أو طلب من الجارة والأخت الكبرى، وبينما تستعد بغداد للقيام بخطوة مماثلة، تقف بقية الدول العربية بين "المشتهية والمستحية"!

إعادة فتح السفارات سبقتها مطالبة من البرلمان العربي في مطلع ديسمبر / كانون الأول الماضي بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية. لكن الحدث الأبرز كان أول زيارة لرئيس عربي لدمشق منذ 2011، فقد هبط الرئيس السوداني عمر البشير في مطار دمشق الدولي على متن طائرة روسية، ليتبادل الابتسامات العريضة وعبارات الدعم والتأييد لبشار الأسد ونظامه.

الرئيس السوداني عمر البشير الذي وصل دمشق بحماية روسية، كان محملا برسائل من جهات عديدة مختلفة، في مقدمتها رغبة خليجية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد، تمهيدا لخطوات تأتي بعدها.

في السياق ذاته، جاءت زيارة علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، مستشار بشار الأسد إلى القاهرة، ولقاؤه برئيس المخابرات المصري مدير مكتب الرئيس، اللواء عباس كامل، لوضع اللمسات النهائية لإنهاء عزلة سورية، والتفاهم مع الرياض وأبو ظبي، فمصر منذ البداية كان لديها تنسيق مع نظام الأسد، خاصة فيما يتعلق بالجماعات المسلحة وانتقال العناصر الإرهابية بين البلدين، خاصة في سيناء.

الموقف العربي عموما والخليجي خصوصا لم يتغير فجأة، فقد سبقته خطوات عديدة، ليس أولها سحب الدعم الخليجي للمعارضة السورية بشكل تام، والتخلي عن مقولة "على الأسد الرحيل بالسياسة أو بالقوة"، ولا آخرها الدعم السخي من خلال المظلة الأمريكية لمليشيات بي كا كا / ي ب ج الانفصالية التي طعنت الثورة السورية في الظهر، وتبادلت الأدوار مع نظام الأسد، وشكلت تهديدا حقيقيا لوحدة سورية.

إذ لولا التدخل العسكري التركي في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، لكان الحديث اليوم عن وحدة الأراضي السورية ضربا من الأمنيات، ولأضحت دويلة عبد الله أوجلان في "روج آفا" واقعا وحقيقة على الأرض. عندها ماذا كان بوسع أشقاء الشعب السوري وأصدقائه فعله سوى إقناع السوريين بضرورة قبولها من باب ضرورات الواقعية السياسية.

تعاطي الدول العربية مع القضية السورية

مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011، وبعد استخدام نظام الأسد القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، اتخذت دول الخليج العربي موقفا شجاعا منحازا لتطلعات الشارع السوري، وقد كان الموقف القطري سباقا إلى شجب حالة القمع الرهيبة التي مارستها قوات النظام تجاه المتظاهرين السلميين، ما دفع فريقا من الشبيحة إلى الهجوم على سفارة قطر في دمشق، احتجاجا على تغطية قناة الجزيرة المنحازة للثورة السورية.

وقد توج الموقف الخليجي بدعوة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، السلطات السورية إلى وقف إراقة الدماء، وتخيير القيادة السورية بين الفوضى أو الاستقرار، بل إن وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل، دعا علانية إلى ضرورة تسليح المعارضة السورية كي تتمكن من صد عدوان نظام الأسد، ومنع مجازره بحق المدنيين.

في كانون الثاني / يناير 2012، وبعد شهرين من فشل أول مبادرة عربية تنص على وقف العنف والإفراج عن المعتقلين، وسحب الجيش من المدن السورية، تبنى وزراء الخارجية العرب مبادرة جديدة نصت على نقل سلطات الرئيس بشار الأسد إلى نائبه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن نظام الأسد رفض هذه المبادرة أيضا، ضاربا عرض الحائط بجميع المبادرات والحلول العربية، مؤكدا تصميمه على وقف الاحتجاجات الشعبية التي انفجرت في 15 مارس / آذار 2011 باستخدام القوة.

الحقيقة أن نظام الأسد لم يرفض المبادرات العربية فقط، بل رفض جميع المبادرات الدولية أيضا. لكن الفارق أنه تعامل مع المبادرات والاستحقاقات الأممية بأسلوب التحايل والالتفاف وتفريغ المضمون، ساعده على ذلك استخدام موسكو للفيتو 12 مرة.

شكلت الساحة السورية المختبر الميداني لجميع التناقضات والمنافسات والمناكفات بين الدول العربية، حتى تلك التي قدمت الدعم للثورة السورية، حيث أدت الانقسامات العربية إلى انقسمات داخل فصائل الجيش السوري الحر على حسب الجهات الداعمة، الأنكى من ذلك أن تلك الانقسامات تسببت في اندلاع معارك ضارية بين فصائل المعارضة السورية بالوكالة عن الداعمين، الأمر الذي سهل مهمة الروس والنظام والإيرانيين المتربصين، وفتح الطريق أمامهم لتسلم غوطة دمشق بسلاحها وعتادها دون قتال يذكر، بالرغم من وجود الأنفاق والتحكيمات ومستودعات الأسلحة وعنابر الأغذية التي تكفي للصمود والمقاومة أعواما، فيما لو اتحد الفصيلان الرئيسيان هناك، أو نسقا بينهما على أقل تقدير.

لكن عمق الشرخ بين الدول الداعمة حال دون التقاء الإخوة وهم يذبحون، فكانت النتيجة أن من فرقتهم الحرب جمعتهم "باصات" الترحيل نحو إدلب.

دواعي التوجه أو "الحج العربي" نحو دمشق في هذا التوقيت

أولاـ الهدف المعلن من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق هو حصار إيران، وإضعافها وقطع الطريق أمامها كيلا تذهب بعيدا نحو مزيد من تقوية وترسيخ تحالفها الاستراتيجي القائم مع نظام الأسد. لكن الواقع ينبئ بغير ذلك، حيث إن بشار الأسد ونظامه مدين بوجوده لإيران، فقد صرح أكثر من مسؤول إيراني في مناسبات عديدة، أنه لولا دعم طهران لسقط نظام الأسد منذ سنوات، وهذه حقيقة أصبحت من المسلمات عند من لديه أدنى علاقة بالشأن السوري.

على العكس من ذلك تماما، فإن إيران أصبحت اليوم أشد تفوقا وتمددا، وأكثر تأثيرا على المستوى الإقليمي والدولي، من خلال قدراتها الذاتية وتحالفاتها المتشابكة مع روسيا وغيرها، وأي دعم لنظام الأسد الذي يستند إلى كتف طهران، هو في الحقيقة دعم مباشر لإيران وليس إضعافا لها.

ثانياـ بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه سحب قواته من سورية، شعرت بعض الدول العربية التي تدعم المليشيات الانفصالية الكردية نكاية بتركيا، أن الفراغ الذي سيتركه الأمريكان سوف تملؤه تركيا، خصوصا أن قرار ترامب الانسحاب من سورية جاء مباشرة عقب مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي أردوغان، وحتى دون الرجوع إلى مستشاريه، وهذا مكسب استراتيجي لتركيا دون شك، مقابل هزيمة استراتيجية لتلك المليشيات ولداعميها أيضا. فأصبح استمرار الدعم يقتضي ترميم العلاقة مع نظام الأسد.

ثالثاـ لا يمكن إغفال الجوانب الاقتصادية، ومصادر النفط والغاز على وجه الخصوص، حيث يوجد في سورية قليل مكتشف وكثير غير مكتشف، وهذا ما يفسر انتشار القواعد الأمريكية في مناطق الشرق السوري، ومحاولات الروس والإيرانيين المستمرة للسيطرة على المناطق الساحلية السورية. قد ينفع الحج إلى دمشق بهذا الوقت في النيل من الكعكة النفطية السورية، حيث اتجهت الإبرة نحو بقاء بشار الأسد.

رابعاـ ثمة دول عربية تنظر إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية وتركيا على أنها أضحت بؤرة للإسلام السياسي، بسبب وقوف أنقرة إلى جانب ثورات الربيع العربي، واتباعها سياسة الأبواب المفتوحة أمام جميع من ضاقت به سبل العيش في بلادهم، سواء بسبب الاضطهاد السياسي أو / والديني، أو بسبب الحروب المشتعلة في أكثر من بلد عربي.

تتجه الأوضاع في سورية حاليا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، الدول العربية والخليجية منها خاصة، تحاول احتواء نظام الأسد من خلال العلاقات الاقتصادية، عبر اللعب بورقة إعادة الإعمار هذه المرة. لكن تحالف نظام الأسد مع طهران لن ينفك ولن يضعف لمصلحة العرب، لسبب بسيط جدا، هو أن نظام الأسد ليس مضطرا إلى اتباع سياسة الموازنة بينهما كما كان في السابق.


المصدر : وكالة الأناضول