الخميس 2017/10/12

منتخب على “مقاس الوطن”

حرّكت مسألة المنتخب السوري لكرة القدم خلال الأسابيع الأخيرة المياه الراكدة لدى السوريين بقطبيهم المدافع عن الثورة والشبيحة أو "الموالون"، والمثير في هذا النزال أن الحزب الأول الثائر تخللت صفوفه بعض المدافعين عن المنتخب بحجة فصل السياسة عن الرياضة أو (هذا منتخب الوطن لا النظام) بينما يتبنى السواد الأعظم من السوريين الثائرين نظرية أن "هذا المنتخب من ذاك النظام"، وأن هذين الاثنين  (النظام والمنتخب ) يسيران هم و"الوطن" في خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً، لذا فالمنتخب الوطني في نظر الشبيحة اعتبره الثوار منتخب البراميل والكيماوي والزينبيون والفاطميون ومليشيا حزب الله وقاعدة حميميم وو ..

 

وتحت الشعارات المذكورة أو لمحاولة البرهنة على زيفها غصّت مواقع التواصل بالمنشورات والتصريحات والتسجيلات المصورة من الجانبين؛ خاصة خلال اليومين اللذين سبقا مباراة الإياب في أستراليا التي قضت على آمال الشبيحة، وبنفس الوقت منحت المعارضين فرحة أكبر ربما من إسقاط خمس طائرة روسية بالمضادات الأرضية وسحل طواقمها في شوارع إدلب، فضلاً عن كون الخسارة بدت مادة دسمة للتشفي من عمر السومة وفراس الخطيب العائدين إلى حضن الأسد حديثا، والمسبِّحين بحمده وغفرانه بعد أن أعلنا يوماً ما وقوفهما مع الثورة.

 

وصول ( منتخب البراميل ) إلى هذه المرحلة المتقدمة في التصفيات المؤهلة إلى المونديال كان حلماً لكل السوريين بما فيهم كاتب هذا المقال، لكن ذاك الحلم تحول إلى كابوس عندما أصبحَ دافعا لبروباغاندا القضاء على الثورة ولدعاية "انتصار سوريا" على كل ما واجهته من محن، وهنا المقصود بسوريا نظام الأسد، هذه الدعاية التي تجاهلها بعض المحسوبين على الثورة للأسف، مرّت أيضاً على وسائل إعلام عربية وأجنبية وعلى صحفيين عرب يقفون بكل صدق مع ثورة الشعب السوري، لكنهم يجهلون عمق المسألة، فشاهدنا معلقين وقنوات تغازل بإفراط المنتخب ولاعبيه، في وقت يعلن فيه مدير المنتخب بكل صراحة بأنهم يلعبون من أجل "الجيش السوري وبشار الأسد".

 

انشغل السوريون الثائرون خلال الفترة الأخيرة بمهمة تعديل نظرة الإخوة العرب تجاه منتخب البراميل الذي تمنَّوا وصوله إلى المونديال بنوايا حسنة طبعاً، وكان أمام أولئك السوريين بعد فشل "حلم الشبيحة" جبهة أخرى على مواقع التواصل، للشماتة من الشبيحة أولاً، ثم للرد على تخوين هؤلاء الشبييحة لكل من أبدى وقوفه ضد المنتخب المذكور ثانياً، ولجأ الشبيحة كالعادة لاستخدام أسطوانة الوطن والمواطنة التي صدئت كثيراً، و"الوطن" الذي يقصده الشبيحة طبعاً يختزلونه في بوط عسكري وحاجز للتشليح والتعفيش وصورة لحافظ وبشار وماهر الأسد!

 

تابعت مباراة منتخب البراميل مع أستراليا في الإياب بكل تفاصيلها، وتمنيت الخسارة لفريق البراميل بكل لحظة في حقدٍ كبير لم أعرف كيف انتابني، دعوت الله خسارة هذا الفريق بكل صدق، تذكرت الفساد والرشوة والمحسوبية المعششة في كل مؤسساتنا ولا سيما الرياضية، استحضرت كيف كانت المخابرات تتدخل في الرياضة لتعز من الأندية من تشاء وتذل من تشاء، كيف كان نادي الفتوة في محافظة دير الزور يخسر مبارياته دائماً أمام فريق تشرين بسبب التحكيم لأن إدارة الأخيرة من الطائفة العلوية كل تلك الأيام كنا نشجع ونعلم أن الفوز والخسارة معلقان بإرادة المخابرات وكلاهما (الفوز أو الخسارة) أمران رمزيان لن يقدما أو يأخرا شيئاً.

 

كان اللعب في منتخب البراميل قبل الثورة السورية حكرا على الطبقة المقربة من النظام وطائفته وتجّاره وجيشه ومخابراته، بينما يرزح في المحافظات المنسية لاعبون على مستوًى عالٍ يخولهم للمشاركة في دوريات عربية وعالمية، لكن عندما رأى النظام أن نجاح المنتخب ضروري في هذه المرحلة لكسب معركة "إعادة تدويره" وتلميع حربه على السوريين، قرر تجاوز الأعراف واختيار فريق للمنتخب من فوق أروقة المخابرات والواسطات، فكان لا بد من إغراء "عمر السومة" و"فراس الخطيب" وغيرهم، بعد أن رُفضت طلبات عودتهم أكثر من مرة من قبل الاتحاد الرياضي، وحشد الطاقات ماليا وإعلاميا لدعم الفريق مع إجراء حجر مؤقت لأوبة الفاسدين والسارقين والبعثيين داخل السلك الرياضي أملا في إتمام هذه المهمة.

 

لا تختلف ظروف النزال بين الثوار والنظام حول منتخب البراميل عن أي نزال آخر، سواء عسكري أو سياسي ، وأكثر ما كان مثيرا في هذا النزال هو التلاحم السريع من قبل السوريين المعارضين، ويبعث الموضوع رغم تفاهته لدى البعض رسالة للمجتمع الدولي بأن شعبا رفض فريق كرة قدم لصلته بالنظام، كيف تجرؤون على ترميم هذا النظام ليعود لحكم ذلك الشعب من جديد !؟