الأربعاء 2017/05/24

مفهوم العصبة من ابن خلدون إلى السيسي

يرى ابن خلدون أن العصبية هي المحرك للتاريخ الاجتماعي للمجتمعات، وهي وراء عملية التغير الاجتماعي، منطلقا من مبدأ العلاقات الجدلية بين العمران البدوي والعمران الحضري، مفسرا نشأة الدول وانحلالها بناء على آلية العصبية، فهي التي تؤدي إلى الملك، وهي نفسها التي تؤدي إلى زواله.

والعصبية أو العصبة التي يقصدها ابن خلدون لا تعني مطلق الجماعة وإنما الأفراد، الذين تجمع بينهم رابطة الدم أو رابطة الحلف أو الولاء إضافة إلى شرط الملازمة بينهم من أجل أن يتم التفاعل الاجتماعي، وتبقى مستمرة ومتفرعة بوجود هؤلاء الأفراد واستمرار تناسلهم، فينشأ بين أفرادها شعور يؤدي إلى المدافعة وهم يتعصبون لبعضهم حينما يكون هناك داع للتعصب، ويشعر الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من أهل عصبته، وفي هذه الحالة يفقد شخصيته الفردية بحيث تذوب في شخصية الجماعة.

بعد الانقلاب الذي قام به عبد الفتاح السيسي على رئيس منتخب، واستولى بموجبه على السلطة، كان لابد له من الاستفادة من نظرية ابن خلدون حول العصبة، لأن الملك لا يقوم من دونها، ولكن العصبة عند السيسي أخذت شكلا مختلفا غير الذي تعاورت الدول السالفة على فعله ، فالذين أقاموا سلطانهم معتمدين على العصبة، تخيروا خبراء من كل الفنون والاختصاصات؛ لأن الدولة بحاجة لهم حتى تسير، وتنمو، ولكن السيسي، تخير شرذمة بشرية مختلفة تماما، فكان اعتماده على الفنانين، والراقصات، و بلطجية متوحشين، يستبيحون دماء الناس، بل يستسهلون ذلك، واتخذ من فريق إعلامي أقل ما يقال عنه إنهم من دهماء القوم مروجين لشكل حكمه، ومجملين لصورته، وعابثين بوعي الناس، بل وصل طموحهم إلى تعفين وعي الجمهور، وضرب كل المسلمات التي يؤمن بها، أو لنقل يحترمها، فكانت فيفي عبده أما مثالية، في احتفال مهيب، وسلط ماكينة إعلامية للنيل من رموز الأمة، وما واقعة شتم صلاح الدين على شاشات إعلام السيسي من قبل يوسف زيدان ببعيدة عن هذا التوجه.

لم تكن نظرية ابن خلدون حول مفهوم العصبة ملاحظات عن تاريخ سالف، بل مازالت مستمرة حتى الآن بشكل أكثر تطورا، ففي حقبة الاتحاد السوفييتي كان الاعتماد في الحكم على أعضاء الحزب الشيوعي، وتسير أوروبا في تجربتها الديمقراطية المزعومة على هذا المنوال، من خلال اتخاذ شكل جديد للعصبة وهو الحزب الحاكم أو ما يسمى الدولة العميقة التي تحكم، وتشكل تحالفا لرؤوس الأموال.

من ينوي حكم بلد ما، لا بد أنه يبدأ بالاستعانة بعلماء الاجتماع، كي يشرحوا له طريقة السيطرة على الجماهير، وظل ابن خلدون رائد علم العمران البشري ماثلا في كل دراسات علماء الاجتماع من بعده، ولكن السيسي عندما استدعى علماء الاجتماع ليشرحوا له طريقة السيطرة على الجماهير كان يجلس في غرزة بولاق الدكرور حتى جهز فريق حكمه من قاع المجتمع كي تكون طاعتهم عمياء، ويكونوا حريصين على استمرار نظام الحكم لأنه يلبي حاجتهم بحسب نظرية ابن سيسون الجديدة.