الخميس 2017/09/21

معركة حماة.. حكمة أم حماقة ؟

منذ بدء الحديث عن اتفاقات تخفيف التصعيد في إدلب وعموم المناطق السورية وتطبيقها على أرض الواقع استغلتها روسيا، وفرضت أمراً واقعاً على الأرض تمثّل بتقدمٍ جنوني لقوات النظام في حلب وجنوب الرقة وحماة وحمص وتدمر وصولاً إلى أكبر إنجاز عسكري للنظام بسوريا، والذي تمثل بالتقدم في محافظة دير الزور.

طوال تلك الفترة بقيت معظم الفصائل العسكرية تتابع المشهد بصمت ومن ضمنها فصائل قوية رفضت الاتفاق جملة وتفصيلاً، وهي بالأصل محل رفض ومحاربة من قبل المجتمع الدولي، كهيئة تحرير الشام أكبر فصيل عسكري في سوريا، والتي كانت تخرج ببيانات بعد كل أستانا لتعلن رفضها له كلياً، ولكنْ ومع رفضها ومهاجمتها لكل من حضر من الفصائل الأخرى واتهاماتها بالتخوين لم تتحرك ضد النظام، وبمعنى أوضح لم تسعَ بشكل جاد إلى إفشال الاتفاق، طوال مؤتمرات الأستانات الأول والثاني والثالث والرابع والخامس.

لكن بعد أن جاءت اتفاقية أستانا 6 وبدأت ملامح تطبيقها بالتحشيد التركي على الحدود بهدف الدخول إلى مدينة إدلب تحركت هيئة تحرير الشام في هذا الوقت، وأطلقت معركة ضد قوات النظام في ريف حماة، والجدير بالذكر أن هذه المعركة ومع دخولها في يومها الثالث لم تحقق حتى الآن الهدف المرجو منها بل إن النظام استعاد جميع القرى التي تقدمت بها الهيئة.

موضع النقد لهذه المعركة بحسب محللين يأتي من حيث توقيتُها، فالهيئة أخطأت خطأً فادحاً حين تركت النظام يصول ويجول منذ أيار الماضي في عموم سوريا ليصل إلى ما وصل إليه من ضم مناطق شاسعة تحت سيطرته، ولم تتحرك إلا بعد أن استشعرت خطر عملية عسكرية قد تودي بها، أيْ إن هذه المعركة جاءت بهدف إفشال الاتفاق لا أكثر، وهو ما تكرس بشن مقاتلات النظام والاحتلال الروسي مئات الغارات خلال 3 أيام فقط، ما تسبب بسقوط عشرات القتلى والجرحى المدنيين، وكأنَّ النظام والروس كانا يتحينان هذه الفرصة ليعيدا سيناريو المجازر في المنطقة.

لكن ما لم تفكر به الهيئة هو أنها جلبت الضرر لنفسها من حيث أرادت مصلحتها، فإطلاقها للمعركة والغارات المكثفة قد تكون في الوقت الحالي خرّبت اتفاق أستانا، لكنْ بشكل مؤقت، وعلى المدى البعيد فإن الروس والإيرانيين لا يزال أمامهم الكثير شرق سوريا ، لذلك فإنهم سيعيدون ترتيبَ الأوراق إلى حيث كانت، ويهدّئون من وتيرة القصف بعد توقف المعركة بشكل حقيقي، بل سيسعون إلى تعجيل تطبيق بنود أستانا على أرض الواقع، بما يعني تسريع دخول قوات تركية إلى إدلب بهدف القضاء على هيئة تحرير الشام بمساندة من قوات درع الفرات.

على الطرف المقابل يرى محللون آخرون أن إطلاق هذه المعركة بغض النظر عن توقيتها كان قراراً صائباً ، فالهيئة لم يعد لديها شيء تخسره ، وبالأصل فإن المعركة في إدلب وحماة قادمة لا محالة ، لذلك لم تترك خيار بدئها بيد النظام والروس والإيرانيين ، إنما هي من اختارت التوقيت وكذلك المكان ، ومن المعلوم أن ذلك سيعطي فرص النصر دفعاً إلى الأمام.

يبقى الحكم بـ "حكمة" أو "حماقة" حول إطلاق هذه المعركة مقروناً بما يتكرس على أرض الواقع من نتائج، فاستمرارها سيكون قراراً صائباً رغم ما يقع خلالها من خسائر بشرية أو مادية آتية لا محالة إن تفرَّغ النظام والروس والإيرانيين لمنطقة إدلب بعد انتهاء عملياتهم في الشرق، كما إن استمرارها سيؤدي إلى توسيع رقعة المناطق المحررة واستنزاف النظام الذي لن يستطيع الصمود كثيراً في الشمال لتركيزه في الشرق وإن صمد يوماً أو يومين أو ثلاثة فلن يصمد بعدها ، وأما توقف المعركة والعودة إلى الوراء فيعني ارتكاب حماقة كبيرة لم تسفر إلا عن خسارة قوات عسكرية، فضلاً عن خسارة قرى وبلدات كانت محررة قبيل بدء المعركة، هذا بالإضافة إلى أن الطيران سيظل يحصد بأرواح المدنيين بذريعة " النصرة" حتى تحين ساعة دخول القوات التركية ودرع الفرات إلى المنطقة.