الأثنين 2018/02/26

محرّري سوريا والشام.. كفاكم قتلاً بأنفسكم ولا منتصر بينكم

لا يكاد ينتهي الشمال السوري المحرر من أزمة حتى يدخل بأخرى ، وعلى الرغم من أن تلك الأزمات لا يختلف عاقلان على أنها تأتي بالضرر لا المنفعة على المنطقة، إلا أن الفصائل العسكرية المتقاتلة فيما بينها المتمثلة بهيئة تحرير الشام من جهة وجبهة تحرير سوريا المشكلة حديثاً بعد اندماج حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي من جهة أخرى تصر على مواصلة التصعيد وإشعال النيران في كل قرية وبلدة بأرياف إدلب وحلب.

حتى الآن فإن الاشتباكات تتنقّل من منطقة لأخرى وسط سيطرة متبادلة من كلا الطرفين ، حيث تسيطر تحرير الشام على منطقة ما تلبث تحرير سوريا أن تستعيدها في اليوم الذي يليه، وبالعكس، ويبقى الثابت في كلا الحالين أمرينِ لا ثالث لهما؛ أولهما ألا منتصرَ في هذه المعارك مهما بلغت قوته وتعداد فصائله وآلياته العسكرية، وثانيهما أن الخاسر الأكبر في معارك الاستنزاف هذه هم المقاتلون من كِلا الفصائل المتقاتلة إضافة إلى المدنيين الذين لا ناقة لهم في هذه الحرب ولا جمل ، والذين يتابعون مجريات الاقتتال الدامي بين رفاق السلاح والذي جاء بعد مرور أقل من شهر من احتلال المليشيات الأسدية الروسية الإيرانية نحو 30 بالمئة من المناطق المحررة في الشمال السوري، الأمر الذي يعكس عدم مبالاة قادة تلك الفصائل إلى السعي من أجل استعادة جزء من تلك الأراضي التي تشرد أهلها ويعيش معظمهم في الخيام الآن ، بل وحتى من ذهب منهم إلى الخيام في الشمال لحقته نيران الاقتتال فُشرِّدَ مرةً أخرى أو احترقت خيمته التي أوى إليها.

أياً تكن مسببات الاقتتال الذي يجري الآن في الشمال السوري والذي تعيد فيه التهم المتبادلة نفسها خلال الاقتتالات الماضية بين الفصائل العسكرية في الأعوام الماضية إلا أنه يُعد الأخطر، لجملة من الأسباب أبرزها أنه سيُنسي الفصائل بشكل تام مساعي استرداد المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً حيث سيسعى كل فصيل إلى استئصال الآخر وهذا ما يستدعي منه الإسراف في كمية الذخائر فضلا عن المقاتلين الذين يقتلون بشكل يومي ما يؤدي إلى إضعاف الفصائل على مختلف الأصعدة العسكرية، كما إن الاقتتال الدامي الآن يمنح قوات النظام والاحتلال الروسي الإيراني مزيداً من الأريحيّة في مهاجمة الغوطة الشرقية التي تسعى أن تهاجمها وحيدة دون أن تشغلها أي معارك ثانوية عن رغبتها باجتياح المنطقة وتهجير سكانها ، ومما لا شك فيه أيضاً أن الاقتتال الجاري حالياً سيعيق جهود محاربة المليشيات الكردية الانفصالية في منطقة عفرين ضمن عملية غصن الزيتون، وبالتالي منح المليشيات مزيداً من الوقت للبحث عن خيارات احتواء هجمات الجيش التركي والجيش السوري الحر الذي يسعى في هذا الوقت لتثبيت مناطق السيطرة لاسيما بعد أن أعلن ربط شمال حلب بغربها بعد أن سيطر على منطقة شيخ الحديد غرب عفرين.

الآن تطرح حكومة الإنقاذ مبادرة لوقف الاقتتال وقريباً ستطرح الجهات الممثلة لتحرير سوريا مبادرة أخرى وسيسعى قياديون آخرون ومشايخ لوقفه كما كان يحصل مع كل اقتتال داخلي بين قوى الثورة العسكرية حيث تتجدد الدعوات إلى تحكيم العقل والشرع، ولكن قادة الفصائل لا يجنحون سريعاً إلى الصلح إلا بعد أن يكون مقاتلو الأطراف المتناحرة قد أسرفوا في تقتيل أنفسهم قتلاً بالمجان ، وهو ما يفقد ثقة الشعب السوري بمن يحملون شعارات تحرير سوريا وتحرير الشام الذين باتوا يسرفون بالقتل لتحرير الأراضي المحررة وينسون الأراضي المغتُصَبَة والمتغصِبَ الذي شرد وقتل ملايين السوريين.