الثلاثاء 2018/07/03

متى يحطم السوريون “أحصنة طروادة”؟

لا تزال عبارة "التاريخ يعيد نفسه" تحتلّ الصدارة في قائمة المقولات التي يردّدها الناس في أزمان الهزائم والنكبات، على الرغم من أن كثيراً ممن يوثّقون أحداث الزمان ويحلّلونها لا يؤمنون بهذه النظرية، ويؤكدون أن من يعيد نفسه هي الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها أصحابها دون الاستفادة من دروس التاريخ.

يمكن لهذا الرأي بالتأكيد أن ينسحب على ما مرّت به الثورة السورية من أحداث جعلت البعض يعتقد أن "التاريخ يعيد نفسه"، متجاهلين أن السوريين كانوا أمام فرصة تاريخية حقيقية لإزاحة حكم العائلة التي أخّرت عجلة التقدم في سوريا عشرات السنين، وحوّلت البلاد إلى مزرعة والشعب إلى عبيد مستأجَرين، لولا أن أخطاء كان يمكن تجنبُها قللت حظوظ هذه "الفرصة التاريخية" -على المدى المنظور على الأقل-.

لستُ أقلل هنا من الرأي الذي يُدخل "نظرية المؤامرة" في تفاصيل الحدث السوري، فهي حاضرة بقوة، ولا شك أن كثيراً من الدول حرفت بوصلة "الثورة السورية" إلى جهة مصالحها، وحولت مسارها عن الهدف الحقيقي.. لكن – ومع صحة ذلك قطعاً- من سمح لعوامل إنهاك الثورة السورية أن تنجح؟

السؤال يبدو قصيراً لكن إجابته تطول وتطول، وتفتح الباب واسعاً على أسباب كثيرة قلبت موازين القوة بين عامي 2013 و2018، ومن نافلة القول أن نعيد عبارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "لولا تدخلنا لسقط الأسد خلال أسبوعين". لا شك أن التدخل الروسي وظهور تنظيم الدولة وقطع الدعم العسكري من "أصدقاء سوريا"، كلها عوامل أسهمت في رُجحان كفة الأسد، لكن.. لنتذكر جميعاً أن الثورة عندما قامت لم يكن ثمة دعم دولي أصلاً، وطالما فتح الثوار معاركهم بأسلحة خفيفة.. مع الإرادة الجبّارة. ربما يأتي الزمن الذي تُفتَح فيه سجلاتٌ عنوانُها أخطاء "الثورة السورية"، نرمي حينها عن عاتقنا وزر "نظرية المؤامرة"، ونعترف بأن كثيراً من الخلل كان من صُنع أيدينا.

تبدو ظاهرة "عملاء النظام" أو من باتوا يُعرفون بـ"ضفادع النظام" داخل المناطق المحرّرة ( نسبة إلى "بسام ضفدع" الذي ساهم في تسهيل سيطرة النظام على الغوطة الشرقية) ، إحدى أهمّ عوامل الاستنزاف في المدن والبلدات التي سيطرت عليها قوات الأسد، من ريف دمشق إلى ريف حمص إلى الجنوب السوري. لم تكتف مهمة هؤلاء بالقيام بمهمة "التجسُّس" لنظام الأسد، فالمهمة الأقوى تظهر عند هجوم النظام على مناطق الثوار، فيبدؤون ببث الشائعات وبثّ روح الهزيمة، وإقناع المقاتلين بتسليم السلاح مقابل "العفو وتسوية الوضع"، وربما مقابل وعود بإغراءات مالية. وعن طريق هؤلاء العملاء يحقق النظام وحليفه الروسي غايتهم دون جهد أو مشقة.

السؤال الآن: ألم تكن تلك الشخصيات معروفة في أوساط الثوار؟ وهل كانوا في المناطق المحررة يدعون الوقوف مع الثورة ويبطنون أمراً آخر؟

في واقع الأمر إن النوعين موجودان.. النوع الذي كان سكان "المحرَّر" يعرفونهم جيداً، ويدركون ولاءهم لنظام الأسد، وأنهم مجرد خناجر مزروعة في خاصرة القرية أو المدينة أو البلدة، لكن أي إجراء بخصوص هؤلاء لم يُتخذ، فالفصائل – إلا من رحم ربي- لديها شغل أقوى، وهو تصفية بعضها، وفتح الجبهات على "رفاق الخندق والقضية"، أما النوع الثاني الذي كشف عن قناعه بشكل مفاجئ، فيمكن رده إلى أن الثورات عادة تستقطب دون تمحيص وتثبُّت، ولو كان ثمة في الثورة السورية نوع من التنقية أو "الغربلة" لتخلصت من شوائب كثيرة لا تزال آثارها التدميرية تعمل ليل نهار.

الحديث لا يخص فقط المقاتلين أو المجال العسكري، بل ابتليت الثورة السورية بضفادع آخرين يفاوضون عنها ويحملون اسم المعارضة، والعجيب أن هؤلاء مكشوفون والجميع يعرفهم، لكن لا أحد يستطيع إيقافهم لأنهم "محسوبون" على هذه الدولة أو تلك.. وحرصاً على "عدم إزعاج" هذه الدولة، يواصل "الضفدع المعارِض" مهمته في تحقيق مصالح الدولة التي تدعمه، ولو كانت على حساب الشعب المسحوق.

ما أكثر الضفادع الذين ظهروا خلال ثماني سنوات، وما أكثر الذين لم يكشفوا أقنعتهم بعد بانتظار مهمّات جديدة توكل إليهم، وما أكثر السذاجة التي تعامل بها السوريون مع هؤلاء الضفادع، حتى كان حالهم كحال أهل طروادة، الذين عجز الإغريق عن اختراق أسوارهم المتينة، فدخلوا إلى المدينة عن طريق "الحصان الخشبي".. كم حصاناً خشبياً شاهدنا في الثورة السورية.. متى تتخلص الشعوب الطامحة من تلك الأحصنة؟!!