الخميس 2016/09/08

ما الذي يميز “الثورة السورية” عن باقي ثورات الربيع العربي؟

منحى مغاير جرت عليه الثورة السورية قياسا بالعجلة الزمنية السريعة التي نجحت فيها ثورات الربيع العربي بالإطاحة بحكامٍ كانوا قد تشبثوا بكراسي الحكم، وربطوا أرجلهم عليها بحبالٍ قطّعتها أولُ شرارة لهب خرجت من صيحات محمد البوعزيزي في تونس، فهربَ بن علي ثم تنحّى مبارك وخُلِعَ علي صالح، وظلَّ القذافي طريدا شريدا إلى أن انتهى به المطاف في أنانبيب الصرف الصحي، فيما تصاعدت وتيرةُ الأحداث في سوريا واختلط الحابل بالنابل، ودُمِّرت أجزاء واسعة من البلاد، إضافة إلى سقوط مئات آلاف الشهداء وهجرة ونزوح الملايين من السوريين على ضوء استمرار آلة القتل بكل أنواعها.

لكنْ على الرغم من كل ذلك الواقع المأساوي والمشهد اليومي المضرج بالدماء، فإن للثورة في سوريا تميزاً نوعياً واختلافاً جوهريًا تفرّدت به عن ثورات الربيع العربي التي تسلَّق عليها المتسلقون بعد فترةٍ يسيرةٍ من زمن نجاحها، ففي تونس تم استنساخُ نظام بن علي، وفي مصر ضاعت البلاد وسُرقتِ الحريات وزُجَّ أولُ رئيس منتخب ديمقراطيا في ثورة 25 يناير في السجون بعد انقلابٍ اغتالَ أهم مستحقاتها، وفي اليمن تاهت البلاد وتأرجحت على وقع تغلغل مليشيا الحوثيين والمخلوع صالح وسيطرتهم على مفاصل الدولة، وفي ليبيا تشتَّتَ القرار الواحد والسلطة الواحدة حتى أصبحتِ الدولة اليوم متعددة الأجسام والهياكل، ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى أن حكام تلك الدول كانوا قد تركوا خلفهم حاشيةً من العسكر ورجالات الدولة وزرعوا في قلوبهم فكرةَ التمسك بالحكم والاستبداد بحق الشعوب ولم يكن من المناسب بالنسبة لتلك الزمرة من الحواشي أنْ لا تعلنَ مع هبَّةِ الشعوب الثائرة وقوفَها إلى جانبهم، الأمر الذي مهَّدَ لأرضيةٍ تتيح لهؤلاء المتسلقين التغلغل وسط الشعوب الثائرة بدعوة مناصرتها لكسب ثقتها، ما سهّل عليهم لاحقا إجهاضها وسلب حقوقها والانقلاب عليها.

من هذا المنطلق تتميز الثورة السورية التي استطاعت مع مرور نحو 5 أعوام ونصف على انطلاقتها من تمييز "الخبيث من الطيب" من الشعب وممن كان في سدة حكم الأسد وجيشه، فانشق من انشق عن الأسد وبقي من بقي إلى أنْ وضحت الصورةُ تمامًا بالنسبة للسوريين كسوريين، كما إن ثورات الربيع العربي لم تكشف ما كشفته الثورة السورية من تعامٍ مقصودٍ من الحكام العرب الذين "صاموا" حتى عن الكلام في التنديد بجرائم الأسد ومليشياته والروس والإيرانيين فضلا عن انعدام أفعالهم التي كان من المتوجب أن تكون قويةً بعد أن فضحت الثورةُ السورية المشاريعَ الإيرانية الاستيطانية التي أصبحت مكشوفة علانية، بل إن الثورة السورية أفشت أسرار المجتمع الدولي ونفاقه الذي مرَّ ويمر بأسوء تاريخ له على الإطلاق، وربما لولا الثورة في سوريا لما كُشِفَ خبثُ ومراوغة ذاك المجتمع الذي ميَّع القضية السورية، وأصبحت ما تسمى بالأمم المتحدة يقتصرُ دورُها على إحصاء السكان وعدد القتلى، وليت الأمر وقف عند ذلك، حيث تبين أنها دعّمت نظام الأسد بملايين الدولارات، وما وقوفُ الدولِ الغربية في صف الثورات إلا لذرِّ الرماد في العيون، وما حدث في مصر خيرُ نموذج، حيث أعلنت أمريكا دعمها لمرسي بعد الانقلاب ثم تتالت التنازلات حتى أصبح السيسي شرعيًا ويصول ويجول في أي بلدٍ غربيٍّ أراد.

تأخرُ النصر "نصرٌ"

السؤال هنا... ماذا لو نجحت الثورة السورية مع أيامها الأُوُلى! ، كيف للسوريّ الثائر أن يعرفَ من هو الثائر حقا ومن المخادع والمراوغ ، وكيف سيكون المشهد في سوريا لو حصل فيها نفس السيناريو الذي حصل في مصر واليمن وليبيا وتونس.. من المؤكد أنها ستُسلب وتُختطَفُ من قبل رجالاتٍ شربت من ثدي البعث أساليب القمع والاستبداد، ولضاعت على السوريين أفضل فرصة تتيح "اقتلاع" النظام بكل حاشيته.

نعم البلاد تُستنزَفُ الآن بشريًا وماديًا، لكن بذلك الاستنزاف يكون البناء نحو الأمل الذي لا يتحقق إلا بدماء الشهداء وتأخر النصر نصرٌ بحد ذاته، ولولا أنه تأخّر لسُلبت وضاعت استحقاقاتها التي تركز على "سوريا واحدة" خالية من أي مظاهر الطائفية، والرافضة لكل مشاريع الانفصال والتقسيم، وانتصارُ الثورة في سوريا سيكون مُصحِّحًا لمسار الثورات في البلدان الأخرى وسيقصمُ ظهرَ الكثير من المخططات الخطيرة لاسيما "الإيرانية".