السبت 2018/04/28

ما الحضارة الإسلامية التي نريدها ؟

هممت منذ بضع سنين بتأليف كتاب، ولأن الغاية كانت واضحة جداً عندي فقد كان أول شيء كتبته فيه هو العنوان :

(الحضارة الإسلامية القادمة، كأنك تراها ولسوف تراها) .

كان الدافع وراء كتابتي للكتاب أننا نعيش في ظلال حضارة غربية مادية مسيطرة، ونحن نكثر من رفضنا لها ومن نقدها، ومن التباهي بحضارتنا الإسلامية الماضية.

ولعلنا نرى في ذلك علاجاً لهزيمتنا في الواقع، فنهرب إلى الماضي المجيد، لكن هذه الطريقة في العلاج جعلت شبابنا المسلم الملتزم مرتبطاً بالماضي أكثر من الحاضر، بل أصبح يحن إلى الماضي أكثر مما يتشوق إلى المستقبل، ولعلك ترى ذلك في قراءاته وكلماته واهتماماته.

ذكرت في مقدمة كتابي أننا لا نريد أن نعود إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه لنرى الحضارة الإسلامية آنذاك، بل نريد أن نأتي بالمدينة المنورة فنطبقها على واقعنا لنرى الصورة الجديدة التي ستتشكل.

وبعد عدة شهور ـ أظنها عشرة شهور ـ من البحث والقراءة، وبعد أن وضعت خريطة ذهنية للكتاب، ووضعت عناوين الفصول ورحت أبحث في كل مجال من مجالات الحياة ماذا كتب علماؤنا ومفكرونا فيه بغية الحصول على الصورة الكاملة للحضارة الإسلامية التي نحلم بها، وبعد أن سودت عشرات الصفحات في ذلك، كسرت قلمي، وأعلنت فشلي، وتركت أوراقي شاهدةً فقط على تجربتي.

كانت الصورة ناقصة في الكثير من جوانبها، غير جذابة ولا واقعية في جوانب أخرى منها، ولأنها بهذا الشكل لا تؤدي الغرض من رسمها فقد توقفت عن العمل.

عرفت حينها أننا ربما نعلم ماذا نرفض في هذا الواقع، لكننا لا نعلم ماذا نريد!

وبأننا لسنا مشغولين في معرفة ما نريد، بل نحن مشغولون أكثر بسؤال : كيف نغيّر الواقع؟!

وبعد هذه السنين ربما أكون قد وصلت إلى شيء أودّ نقله إليك أخي القارئ…

لم أعد أرى الإسلام ديكوراً يدخل على واقع ما دخوله على محل، فينزع اللوحة القديمة ويضع لوحة جديدة بعنوان يحتوي كلمة (الإسلامي)، ثم يدخل إلى داخل المحل فيحجب النساء ويطلق لحى الرجال ويفرض بعض القوانين.

ليس الإسلام مجموعة من القيود تأتي إلى واقع جاهز صنعه غيره فتقيده، بل الإسلام هو الروح التي تسري في وجدان من يصنع هذا الواقع فتكون الصنعة بروح الإسلام وقيمه وتصوراته للحياة.

سمعت في محاضرة للدكتور عبد الوهاب المسيري أنه كان في سهرة في إحدى دول الخليج مع بعض أصدقائه المتدينين وكانوا يشاهدون على التلفزيون برنامجاً للمصارعة الحرة، وهو ما أثار اشمئزاز "المسيري" فسأل صحبه :

لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا هل كان سيقبل بهذه الرياضة، فأجابوه : بالطبع لا، لأن المايوه الذي يلبسه المتصارعون يكشف أفخاذهم، وهي عورة!

لم يزعجهم تحويل الإنسان إلى سلعة لجلب المزيد من المال، وامتهان كرامته الإنسانية، واعتباره حيواناً عضلياً، لم يزعجهم الكم المفرط من العنف، وتصفيق الناس لمن يضرب أكثر ويؤذي أكثر، لم تزعجهم المادية المجحفة ولا الحيوانية المفرطة، بل أزعجهم تصميم المصنع للمايوه! أي لو أن المايوه جاوز الركبة لصارت لدينا رياضة جديدة هي : المصارعة الحرة الإسلامية.

هذا أسهل من البحث عن رياضات جديدة تنبثق من الإسلام، فتسود في هذه الرياضات قيم الرحمة والتعاون والكرامة والقوة ومنفعة المجتمع ومتعة النفس والنظر.

هذا مثال على جانب صغير من جوانب حياتنا، علماً أن كل أشكال حياتنا ليست إلا نتاج أفكار وقيم وتصورات حملها رجال ثم حولوها إلى واقع.

ولأننا كما نعلم نعيش في عصر الحضارة الغربية المادية فإن تصميم مدارسنا، وأعمالنا، وإعلامنا، ومصارفنا، وتجاراتنا، وغير ذلك من شتى أشكال الحياة، كل ذلك صُنِع على عين الفكر الغربي وبروحه ونكهته وقيمه وتصوراته.

فالغرب استطاع إنتاج فكر مادي وتصور خاص به للحياة، وامتلك من القوة والمال والعلم والسيطرة ما خوله لتحويل فكره إلى واقع، ولا أريد أن أبالغ فأقول إن الواقع الحالي هو انعكاس للفكر الغربي ونتاج صرف له، فالأمر بالطبع أعقد من ذلك، لكن الفكر الغربي هو أحد أكثر الأمور المهمة التي شكلت واقعنا الذي نعيش.

وهذا يقودني إلى تساؤل جميل يطلق خيالنا :

ماذا لو كان المسلمون في القرون الأخيرة هم من امتلك هذه القوة العلمية، وهم من أنتجوا فكراً إنسانياً لواقعنا ثم حولوا هذا الفكر القائم على تصورات الإسلام للحياة وعلى قيمه إلى واقع.

أؤكد لك أخي أنك كنت سترى عالماً آخر تماماً، بل ربما لو عقدت المقارنة مع عالمنا الذي نعيش فيه لظننت أنه كوكب آخر!

كوكب أشرق بنور الله.


المصدر : نداء سوريا