الأحد 2017/07/02

ماذا لو لم يظهر “الخليفة”؟ !

على الصعيدين العسكري والإعلامي ووفقاً لما يقوله المنطق فإن ما لحق بتنظيم الدولة من هزائم خلال الفترة الأخيرة في العراق وسوريا وخاصة بعد خسارته جامع النوري في الموصل القديمة الذي يعد النواة الرئيسة لجسم التنظيم ومنطلق إعلان "الخلافة" على لسان زعيمه أبو بكر البغدادي الخلافة صيف 2014 ، يشي بأن نهاية التنظيم باتت قريبة بشقيه العراقي أو السوري، وهنا ثمة أسئلة مشروعة تدفعنا لنعرف ما الذي أنجزه التنظيم أو بالأحرى الذي تسبب به خلال سنوات الذروة الثلاث التي تصدَّر فيها المشهد، وقد نجد كل ضالتنا من الأجوبة في سؤال معاكس ماذا لو لم يظهر تنظيم الدولة أصلا ؟

في المشهد السوري الذي يعنينا أكثر أبرز ما اتسمت به السنوات الأولى من عمر الثورة هو عنصر المفاجأة بصوره الإيجابية والسلبية، فلن تتعجب من أن ترى سوريّاً يدعو الله في صلاة العشاء أن يسقط النظام في الصباح ، كل المبشرات كانت تتوالى على عجالة ودون تمهيد مسبق، تصريحات أمريكية بلهجة حادة، الحديث عن تدخل أجنبي لاجتياح دمشق، تفجير خلية الأزمة، في كل اللحظات كان السوريون يشعرون أنه لم يعد بينهم وبين سقوط الأسد سوى القليل القليل، لكن كل شيء تلاشى شيئا فشيئا مع نهاية العام 2013 ودخول العام 2014 الذي شهد تحولات جذرية.

بعد أن تغيرت ألوان الخريطة السورية بشكل دراماتيكي وبات اللون الأسود يطغى على الأخضر في كامل الشرق والشمال الشرقي وفي عدة جيوب في الجنوب ومحيط دمشق، توقفت عجلة المفاجأة بشكل كامل وباتت كل التطورات تأتي في سياق المتوقع، أحجم الموقف الدولي عن إعلان العداء للأسد ونظامه بعد أن عجز طويلا عن إيجاد ذريعة لاتخاذ مثل هذا الموقف، حتى صار الأسد في بعض الأحيان جزءاً من الحل لا المشكلة عينها.

وسط فوضى الآراء التي غزت طبقة لا يستهان بها في الشارع السوري خلال الأشهر الأولى من لموع بريق التنظيم، بين من كانت وجهة نظره تقول إن هذه الفئة الدخيلة على عقلية المجتمع وتاريخه ما هي إلا نتاج لإحدى طبخات المخابرات، وبين من لم يصمد أمام الوسائل الدعائية للتنظيم، وبقي مقتنعا بفكره حينا طويلا، مصدقا بذريعة أن لتنظيم الدولة دوراً بارزاً في محاربة المد الطائفي الإيراني القادم من الشرق، أو كحلٍّ "مرير الطعم" لمعالجة الانفصاليين في الشمال السوري.

لا شك أن المتشبثين في معسكر الدفاع عن التنظيم بالذرائع السابقة سيجدون أنفسهم الآن غرقى في بحر من التناقضات، فعلى جبهة المد الشيعي الطائفي أسدى التنظيم في العراق وسوريا خدمة لإيران في حروبه المشبوهة ، ومنحها ما بقيت عاجزة عنه عقودا من الزمن، وفي الساحة السورية يحصد نظام الأسد ومليشياته بصمت من التنظيم ما عجز عنه لسنوات بالمحافل الدولية، فالمناطق التي استولى عليها مؤخرا في جبهات ريف حلب وحمص وكذلك في البادية السورية وعدة مناطق، كانت فصائل الثورة قد حررتها قبل أعوام من النظام، وكلفت مئات الأرواح، قبل أن يستولي عليها التنظيم.

في أيام احتضاره الأخيرة من حقنا كسوريين متشرذمين في مصافي اللجوء والخيام والحصار أن نتساءل ماذا لو لم يظهر الخليفة على منبره معلنا الخلافة على حساب ثورتنا ضد الأسد؟ ، وماذا كان لو لم يدخل عناصره دير الزور والرقة والحسكة، وينزعوا السلاح عن الأهالي ليصبحوا في يوم ما لقمة سائغة للمليشيات الشيعية التي لم يعد أمامها سوى كيلومترات قليلة لاجتياح تلك المناطق؟، وأمام المليشيات الكردية التي لم يكن لها سطوة في السابق في الشمال السوري لولا دخول التنظيم على الخط.

أسئلة لا تنتهي على كل الجوانب، تُرى إلا يتحمل التنظيم المسؤولية الأكبر عن مئات آلاف الأبرياء الذين أصبحت دماؤهم مباحة للجميع دون رادع في الرقة بعد أن دخلت ذريعة "الإرهاب" حيزا جديداً وباتت غاية القضاء عليه تبرر الوسيلة مهما احمرَّ لونها ؟؟، وعلى الجانب الديني أيضا نسأل الخليفة ورجاله هل ازداد عدد المتقين ورواد المساجد في مناطقكم بسياط رجال الحسبة والأمنيين وأتاوات ديوان الزكاة؟ أم هل قل عدد العُصاة والزُّناة، وأخيرا ترى هل سنحصل على البراءة من حكم الردة والكفر بحكمكم فجأة لو عدنا إلى حظيرة الأسد، كما لبسنا تلك التهم فجأة عندما خرجنا ضد تلك الحظيرة .. خسئتم وخسئ الأسد.