الأحد 2018/07/08

لهذا فرحنا بهزيمة “منتخب السفاح بوتين”

منذ زمان بعيد لم أهتمّ كثيرا لنتائج مباريات كرة القدم، ولا سيما بعد أن أصبحت بلادي شبيهة بتلك القطعة الجلدية التي تتقاذفها الأرجل أمام أعين عالم خذل السوريين واكتفى بالفُرجة على مأساتهم الدامية.

غير أن مباراة السبت بين "روسيا وكرواتيا" استحوذت على تفكيري؛ فلم تكن بالنسبة إليّ مجرد مباراة للتسلية.

عجزتُ فيها تماما أن أطبّق مقولة بعض "المهرطقين" حول "فصل السياسة عن الرياضة"، وكيف أستطيع الفصل وقد استخدم السفاح بوتين مناسبة كأس العالم لتلميع صورته الإجرامية وغسل يديه من دماء مليون آدمي قتلهم أو ساعد في قتلهم عبر دعم غلامه الجزار بشار الأسد؟!.. وهل تحولت دماء مئات آلاف الأبرياء إلى "سياسة"؟!

كنت قبل ساعات من المباراة قد شاهدتُ مقطعاً مسرباً لعناصر من جنود الأسد يعذبون نساء في إحدى غرف التحقيق.. إحداهن كانت عارية تماما، المحقق الخنزير لم يتكفِ بجلدهن وتعذيبهن، لكنه أنهى طقسه المفضل بإحراق شعر إحداهن وهي تصرخ وتستغيث. هؤلاء الوحوش الضارية هم من يدافع عنهم بوتين ويمنع محاسبتهم، وتلك النسوة هم -ببساطة- سوريتنا التي أحرقها الطاغية بشار .

خلال دقائق المباراة تشتّت تفكيري بين أرض الملعب وما حلّ في بلدي سوريا من مآسٍ تشيب لها النواصي، تتحمل روسيا الوزر الأكبر في صناعتها، لم أجد في صورة المدرب الروسي سوى صورة أحد رؤساء فروع الأمن المجرمين، وتخيلتُ كل لاعب في "منتخب الدم" طياراً روسياً يُلقي قنابله الحمقاء ليحرق أجساد أهلي وأبناء جلدتي.

مر في خاطري خلال المباراة شريط من الكوارث التي تلوّث حياتنا نحن السوريين.. مشاهد القتل والتعذيب الوحشي ومليون قتيل وملايين المهجرين ووطني الشهيد ... كلها استثارت مشاعري وأرهقتني، وجعلتني أصفق لمنتخب كرواتيا بكل حماسة، وفرحتُ أيما فرح حين خرج "منتخب الفودكا" من السباق إلى الكأس.

ربما يَعجَب البعض من اختلاط مشاعري وإدخالي مباراة عابرة إلى عالم واقعنا المَعيش، لكن الحقيقة التي تغيب ربما عن أذهان الكثيرين أن الطغاة والسفاحين لديهم نهج معروف، هم يحبون غسل يديهم من دماء ضحاياهم، وتلميع صورتهم أمام الناس، والظهور بصورة تمحي نمطهم التقليدي بالقتل والتدمير.

هكذا فعل بوتين السفاح بالضبط.. ففي الوقت الذي كانت فيه مقاتلاته تقضي على "مهد الثورة السورية" في محافظة درعا، كان يتابع تقدم منتخبه "الفاشل" على أرض الملعب.. وفي الوقت الذي كان فيه يزرع الموت والدمار في أرجاء سوريا كان يحرص على إظهار بلاده في صورة من الرقي والازدهار والحضارة!

نعم.. المجرمون لا يتركون مناسبة تعزز مكانتهم إلا ركبوها واستغلوها، ولا شك أن كرة القدم اليوم تستهوي قلوب الملايين، وتستطيع بشكل لا لبس فيه أن تؤثر في عواطف البشر وميولهم بل وقراراتهم، ولا ينكر ذلك إلا معاند أو جاهل.

خروج روسيا من سباق كأس العالم لن يعيد إليّ وطني، ولن يغير شيئا من ولوغ ضباع العالم بدماء أهلي، ولن يخفف بالتأكيد آلام اليتامى والأرامل والمفجوعين.. ربما هو اقتناص للحظة التشفي من دولة مجرمة جعلت الأرض على السوريين أضيق من ثقب الإبرة، ربما هو شعور طفولي يائس لرؤية الدولة التي أبكتنا دماء..تبكي لخروجها من الحدث الكروي العالمي.. هي لحظات أرى فيها عنجهية "الدب الروسي" تذوب كما يذوب الملح بالماء... أعطتني أملا أحتاجه في لحظات يأس وضعف، وجعلتني أتخيل اللحظة التي يخرج فيها الروس وأذنابهم الأسديون من بلادي لتعود لأهلها الطيبين.

وفوق هذا وذاك وبعيدا عن العاطفة، تشكل هزيمة روسيا صدمة كبيرة لدى شبيحة الأسد ومؤيديه الذين باتوا يرون بوتين صانعا للمعجزات حتى في عالم كرة القدم!.