الثلاثاء 2018/04/24

لماذا ستغيب دائماً عوامل ردع نظام الأسد دولياً ؟ 

أمام مجازر كيماوية وغير كيماوية يومية يرتكبها نظام الأسد ضد السوريين أظهرت ولا تزال القوى العظمى دومًا نفسها عاجزة ومشلولة عن ردع بشار الأسد عن إنهاء تلك المجازر، الولايات المتحدة صاحبة أقوى جيش في العالم تقر بفشل ضربتها الأخيرة ضد النظام إلى جانب فرنسا وبريطانيا في إنهاء حالة استخدام الكيماوي في سوريا وذلك على لسان البنتاغون قبل أيام، حينما صرح أن الضرباتِ الثلاثيةَ في سوريا لن توقف هجماتِ الأسد الكيماوية، في اعتراف علني بإخفاق ضربة كثيراً ما هوّلَ ترامب من قوتها وحتى ذكائها، ثم بدا أن تأثيرها على "تويتر" كان أشد وقعاً على النظام من تأثيرها على الأرض لما كان لها من نتائج مخجلة بعد أن استهدفت أرضاً جرداء ومقار خاوية من المعدات العسكرية والعنصر البشري.

إعلان البنتاغون في حقيقة الأمر لم يكن مفاجئاً إطلاقاً وهذا ما ذهب إليه الكثير من المحللين حتى قبل الضربة "المتفق" عليها مع حليف الأسد الأكبر "روسيا"، ولعل هذا يعود إلى عدة أسباب تؤكد أن الأسد لو استخدم الكيماوي 1000 مرة أخرى وسلخ في السجون آلاف المعتقلين وقتل مليون سوري آخر وهجَّر وشرَّد ملايين آخرين، فإنه لن يواجَهَ بتدخل عسكري شبيه بالتدخل ضد نظام معمر القذافي أو صدام حسين لأسباب كثيرة تعود إلى نية القوى العظمى الفاعلة في سوريا بقاء الوضع على ما هو عليه لما يشكل من خدمة لجميع الأطراف.

عدم الإخلال بخرائط السيطرة:

من شأن التدخل العسكري الكبير ضد قوات النظام أن يشكّل خللاً في خرائط السيطرة المتفق عليها بين القوى الكبرى العاملة في سوريا، ولاسيما أمريكا وروسيا، فأي ضربة كبيرة من شأنها إحداث هزة كبيرة في جسم النظام ستكون لها تداعيات لا ترغب واشنطن وموسكو في أن تشغلهما عن أهدافهما الحقيقية في سوريا، فلا روسيا جاءت لحماية النظام لشخصه أو كرماً منها، ولا أمريكا جاءت لسوريا إنقاذاً للسوريين من مجازر أكبرِ سفاح في العصر الحديث، لذلك فإن الضربات كانت باتفاق بين النّدين في سوريا رغم جعجعة روسيا كثيراً بعد الضربات وإعلانها أنها ستزوّد النظام بمنظومة إس 300 ، فموسكو  نفسها لا ترغب بالتصعيد إطلاقاً والدخول بحرب أوسع مع القوى الغربية ربما تؤدي إلى ضعضعة وجودها بسوريا أو استنزاف القوات الروسية العاملة على الأرض التي لا تواجه في الوقت الحالي مقاومة شديدة من الفصائل العسكرية بسبب عوامل عديدة منها انقطاع الدعم العسكري في الوقت الحالي على خلاف الأعوام السابقة التي تقدمت فيها الفصائل الثورية على الخارطة السورية ووصلت إلى منطقة الساحل حيث الوجود الروسي الآن، فموسكو إذن لا تريد التصعيد ودفع القوى الغربية إلى دعم الثورة ومحاربة الأسد بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه من حضور في البحر المتوسط ، وبالمقابل أمريكا غزت شرق سوريا وستارُها كان ولا يزال محاربة تنظيم الدولة في حين عينها على ثروات البلاد الغنية بالنفط ولا ترغب بمواجهة روسيا وتصر على فرض الحل السياسي في سوريا رغم أنه صار من الماضي.

إبقاء تركيا تحت تهديد الانفصاليين الأكراد:

من جانب آخر فإن الدول الغربية المتفقة على عداء تركيا وإعادتها إلى الوراء (وإن أظهرت خلاف ذلك) لا ترغب بتدخل عسكري كبير ضد النظام ، فتلك الدول ولاسيما أمريكا وفرنسا لا تريد أن تزيح عن تركيا مخاوفها فيما يتعلق بوجود المليشيات الكردية على حدودها الجنوبية، ومن شأن التدخل الكبير أن يسمح لتركيا التفرد بالمليشيات الكردية وطردها من المناطق الحدودية التي تحاول فيها المليشيات الانفصالية إقامة دُويلة بمساندة أمريكية على وجه الخصوص، وقد شهدنا في الآونة الأخيرة حضوراً فرنسياً آخر في هذا الصدد.

أمن الاحتلال الإسرائيلي:  

الحفاظ على أمن الاحتلال الإسرائيلي الذي يقر قطبا الصراع بسوريا بضمان أمنه وسلامته، ومن شأن أي ضربة كبيرة أو تدخل عسكري بري مباشر ضد نظام الأسد أن يحدث خللاً في ذلك الأمن، فالأسد الابن لم يختلف عن أبيه ، فكلاهما كانا من أحد أهم العوامل التي حافظت على أمن إسرائيل مقابل بقائهما، ولا يزال الهدوء منذ احتلال الجولان سيد الموقف رغم "الطقطقات والفقاعات النارية" بين الفينة والأخرى في تلك المنطقة، ولا يخفي المسؤولون الإسرائيليون ارتياحهم لوجود الأسد في السلطة وما التصريحات والتهديدات الأخيرة ضد الأسد إلا مجرد دعاية مكشوفة، فكيف ستزيل إسرائيل أو تدعم إزالة نظامٍ جعل الحفاظ على أمنها أحد أولوياته منذ ما يزيد عن 4 عقود، ولم يطلق رصاصة واحدة باتجاه الجولان المحتل.

بالمختصر: الدول الكبرى حققت ما تريد في سوريا حتى الآن ولا تضع لمجازر الأسد أي اعتبارات بانتظار تقاسم المصالح الجديدة والتي تشير التحليلات إلى أنها ستشهد حضوراً أمريكياً أكبر شرق الفرات وجنوب البلاد، إضافة لتعزيز الوجود الروسي أكثر في الشمال الغربي، وتركيّاً أوسع في الشمال والشمال الشرقي من سوريا.