الأثنين 2018/05/21

لماذا تحوّلت ثروات سوريا إلى نقمة على السوريين لا نعمة ؟

ثمة أسباب كثيرة دفعت المجتمع الدولي إلى التمسك بالحفاظ على بقاء نظام الأسد في السلطة رغم المجازر الوحشية التي ارتكبها والدمار والتشرد الذي ألحقه بالسوريين، لعل من أبرز ما دفع الغرب إلى التمسك ببقاء الأسد حتى الآن أنه كان خير محافظ على الكيان الإسرائيلي على مرور نحو 5 عقود ، إذ لا تختلف دولة غربية مع أخرى في أن أمن إسرائيل فوق الجميع بعيداً عن استحقاقات الإنسانية وحقوق الإنسان التي يتغنون بها.

لكن وإن كان الحفاظ على أمن إسرائيل أبرز الأسباب للحفاظ على بقاء الأسد لكنه ليس وحدها، فبعد أن تُرك السوريون يواجهون الموت في المظاهرات السلمية بدم بارد وبعد أن تعسكرت الثورة تُرك السوريون أيضاً يواجهون حمام دم يوم بنيران نظام الأسد ضد المدن الثائرة، ثم ما لبث أن ظهر تنظيم الدولة فجأة على الساحة السورية مسيطراً على نحو 70 بالمئة من أراضي البلاد، وهنا كان التدخل الغربي في سوريا بمثابة فرصة يجب انتهازها وعدم تضييعها، لكن ليس لمساندة السوريين بل للتدخل تحت شعار محاربة الإرهاب، فدخلت الولايات المتحدة على الخط السوري كداعم لبندقيتها المأجورة المليشيات الكردية الانفصالية ، فكانت المليشيات تزرع والأمريكيون يجنون العنب، وبالطبع لم يكن تدخل الولايات المتحدة في مكان فقير، لقد أحسنت الانتقاء حينما اختارت الشمال الشرقي من سوريا هذه المنطقة الغنية بالنفط والثروات الباطنية ، وعلى مرور نحو 4 أعوام سَحقتِ المناطق الشرقية من سوريا، وهنا نتحدث عن أرياف الحسكة ودير الزور والرقة وجزء كبير من شرق حلب، كم من المدن أُبيدتْ بأهلها ودمرت عن بكرة أبيها في سبيل وصول واشنطن إلى ما وصلت إليه الآن من تمركز دائم وغير معروف نهايته في أهم الحقول النفطية في سوريا ؟ ، بينما تترك القوات الأمريكية جيوباً لتنظيم الدولة هنا وهناك في الشرق السوري كذريعة لبقائها، وهذا بالطبع علاوة على هدفها الآخر من التمركز في هذه المنطقة ألا وهو دعم المليشيات ذات الطموح الانفصالي والراغبة بتكوين دولة في الشمال السوري تشكل تهديداً لوحدة سوريا من جهة ولتركيا من جهة أخرى، ولهذا وذاك فإن الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل من الأراضي السورية ما هو إلا للضحك على الذقون وابتزاز دول الخليج وتهديدها بإيران وخاصة السعودية.

وإن كانت أمريكا احتلت الشمال الشرقي فإن روسيا هي الأخرى انتهزت استهتار نظام الأسد بحياة السوريين ورغبته في الانتقام منهم حينما كان في طور السقوط فاستجدى بالروس للتدخل مهما كانت الفاتورة ، فقدمت روسيا إلى الساحل السوري حيث موطئها الوحيد على البحر المتوسط وما فيه هذا الوجود من امتيازات حاضرة ومستقبلية مجيدةً هي الأخرى في الاختيار، هذا بالإضافة إلى الكنوز الموجودة في الساحل السوري من ثروات باطنية مهمة مثل الغاز، فابتزت روسيا نظام الأسد مشترطة لبقائه أن يوقع صكوكاً تمنحها شرعية الوجود في سوريا لمدة نصف قرن قابلة للتجديد تكون بها قد نهبت الثروات السورية، فكانت روسيا على السوريين أشد تنكيلاً بعشرات المرات من الولايات المتحدة ، كانت تمارس ولا تزال الانتقام والقتل الجماعي بسياسة ممنهجة كي تزيح الثوار أولاً عن منطقة الساحل فأزاحتهم، ثم انتقلت إلى ما هو أبعد من ذلك فمارست القتل الجماعي في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد بدعوى محاربة الإرهاب، في سبيل عدم منح الثوار السوريين فرصة للوصول إلى قواعدها وطردها من البلاد بعد أن خسرت ما خسرت ، كما تعدى طموح الروس منطقة الساحل فانتقلوا إلى المنطقة الوسطى إلى تدمر حيث منابع الفوسفات ووقعوا مع نظام الأسد اتفاقية للتنقيب عنه لمدة خمسين عاماً، كما باتوا حاضرين في دير الزور وعموم المناطق السورية.

وبينما لا يزال الأسد يتغنى بالسيادة الوطنية والانتصار على الإرهاب تخيم اليوم مشاهد البؤس والدمار على معظم المدن السورية الثائرة بعد أن تداعت عليها الدول الأجنبية تنهش من هنا وهناك، وتقول هل من مزيد غير مكتفية بما سرقت من مقدرات البلاد، وغير آبهة بمن سُحق ودُفن تحت الأنقاض من سوريين طالبوا بالكرامة فاصطدمت آمالهم البسيطة مع رغبة دولية معاكسة لتطلعهم لنيل حريتهم، فدفع السوريون الثمن وقُتل من قتل وهُجر من هجر وبقيت الثروات السورية التي كانت في زمن الأسد حكراً على آل الأسد وزبانيته أحد أهم الأسباب التي ألحقت بهم المأساة بعد أن تهافتت إليها الدول المحتلة عابرة فوق جثث السوريين الذين ظنوا أن الدماء التي ضحّوا بها للخلاص واسترداد الحقوق ستعيد للأجيال القادمة ما سرقه الأسد على مر العقود، فإذ بسوريا تخرج بعد ثورة الكرامة وكسر الخوف من الاحتلال الأسدي لتقبع في سجن الاحتلال الأجنبي..