الجمعة 2018/02/02

لا نريد ثواراً “جبارين” في الرخاء “خوارين” في الشدة !


بقلم : عامر النجم


يتابع جميع السوريين ما يجري في شمالهم "ملاذهم الأخير" حيث تتهاوى البلدات المحررة واحدة تلو الأخرى وتتغير خارطة السيطرة سريعاً لصالح قوات النظام التي تتقدم بدعم روسي إيراني يهدف إلى تصفية المناطق المحررة وإنهاء الثورة السورية مهما كلف الثمن ومهما كانت الخسائر جسيمة.

لعل من السوريين الكثير وفق ما يجري من متغيراتٍ الآن في الشمال السوري من صار يقبلُ على مضض باتفاق "شرق سكة الحجاز" (إن صح) بعد أن كان يرفضه رغم ما فيه من خسارة ثلث الأراضي المحررة.. لكن القبول هذا في سبيل عدم خسارة ثلث آخر أو أكثر.. إذ إنَّ ما يجري اليوم حُذِّرَ منه مراراً، ولا يخفى أن طموح الغزاة الروس والإيرانيين أبعد من شرق السكة وتهدف كما قلت إلى إخضاع أي منطقة محررة بالحديد والنار، حيث باتت قوات الأسد والمليشيات الإيرانية تتقدم غرب بلدة أبو الظهور أي أنها غيَّرتْ بوصلة الهجوم من شرق السكة إلى غربها في محاولة منها كما يعتبرُ الكثير من المحللين الوصول إلى مدينة سراقب بهدف تهيئة الظروف لبدء معركة كسر الحصار الذي تفرضه الفصائل على المليشيات الإيرانية في بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف إدلب منذ العام 2015 ، أي أنها لا تعترف بأي شرعية لاتفاق أستانا الذي ينص على أن هذه النقطة تابعة للقوات التركية، ومما زاد تلك التأكيدات فشل الرتل التركي بإنشاء نقطة المراقبة الرابعة في ريف حلب الجنوبي قبل أيام بعد تعرضه لقصف من مليشيات إيران ثم استهدافه بعملية تفجيرية قيل إنها بسيارة ملغمة ولا يخفى أيضاً أن تكون وراءها أصابع إيرانية بتنسيق روسيا التي تلعب على جميع الحبال الراغبة بإنهاء الثورة عسكرياً بعد محاولة إنهائها سياسياً لاسيما عبر مؤتمر سوتشي.

القرى والبلدات شرق وجنوب إدلب تسقط تباعاً والنظام يواصل الاقتراب من مدينة سراقب متبعاً مع حليفه الروسي سياسته الهمجية بحرق الأخضر واليابس وارتكاب المجازر، وسط مقاومة من عدد من الفصائل تشد تارة وتخف تارة أخرى ، في الوقت الذي لم يفكر فيه آلافُ المقاتلين في الشمال بتداعيات هجوم النظام ويصرون على القعود عن القتال.

لسنا بصدد التقليل من شأن من يقاتل الآن في جبهات المعارك المشتعلة بريف إدلب ولسنا بصدد الحديث عمن باع ومن اشترى ومن قبض، فالوقوف ساعة واحدة على الجبهات بمثل هكذا ظروف تدميرية ممنهجة يعد عملاً بطولياً منقطع النظير ، لكن هؤلاء المقاتلين الصابرين كم يُقدرُ عددهم مقارنةً بأعداد القوات المهاجمة ؟! ، ربما لا يصل إلى 5 بالمئة من المليشيات الإيرانية، وفي نفس الوقت يعج الشمال السوري بالمقاتلين المدرّبين الذين حتى الآن لم تتحرك فوهات بنادقهم وآلياتهم ويكادُ يأكلها الصدأ ، وهم ربما شاهدتهم من قبلُ أشداء على مقاتلين آخرين عند حدوث أي اقتتال داخلي.

لم يجد السوريون في الشمال اليوم ذلك التجييش وشحذ الهمم من الفصائل كذلك الذي شاهدته حينما كانت الفصائل تتقاتل فيما بينها ، لم يشاهدوا الأرتال تذهب بآلاف المقاتلين لمهاجمة فصيل آخر، إنما شاهدوا مقاتلين يستخدمون القوة في غير موضعها الحقيقي الذي أريدت له لدى تأسيسها، بل شاهدوا مقاتلين جبارين عند ابتعاد النظام عنهم خوّارين لدى اقترابه منهم يحجمون عن القتال، وكما قلت الحديث موجه إلى آلاف المقاتلين القاعدين الآن والذين باستطاعتهم إن نهضوا تغيير موازين القوى في أيام معدودة وهذا ما شهدناه في وقائع كثيرة.

إطلاق معركتين بشكل متزامن وبغرفة عمليات منسقة كفيل بقلب المجريات الحالية لصالح الثوار، ومعركة "رد الطغيان" رغم فشلها خيرُ دليل ذلك لو أنها استمرت بنفس الزخم الذي كانت به أول الأمر، ولعل الظروف الحالية تحتاج إلى تقديم تنازلات من كبرى الفصائل التي كانت تتقاتل فيما بينها وغض الطرف عن مسببات الخلاف والقطيعة الحالية بهدف إطلاق معارك جديدة بمحاور أخرى، وفي حال عدم تقديم تنازلات من جميع الفصائل لرأب الصدع والوقوف يداً واحدة في وجه النظام فإن ذلك سيؤدي إلى انحسار الجميع؛ مدنيين ومقاتلين بنقاط جغرافية أقل اتساعاً مما هي عليه الآن ، وهذا ما سيؤدي أولاً إلى ارتفاع جنوني في حصيلة القتلى مدنيين ومقاتلين عند أي قصف، وثانياً تحوّلُ الفصائل إلى مجموعات مسلحة صغيرة لا تحظى بأي شرعية دولية يقوم النظام بتصفيتها ، ومن المعلوم أن "الخيام" على الحدود التركية لن تتسع للجميع، والوصول إلى تلك المجريات رهينٌ بالتطورات الحالية في ريف إدلب، فبمجرد سيطرة النظام على سراقب يعني أنه سيصل إلى كفريا والفوعة وينهي معظم المناطق المحررة بمن فيها.. فهل يدرك آلاف المقاتلين أن المعركة الحالية "معركة وجود" ليست معركة خسارة منطقة في موقعة قد تتكرر مرة أخرى ؟