الأربعاء 2017/11/22

لا تدمرونا .. سندمر أنفسنا بأيدينا

قالت العرب سابقاً "إذا هبّت رياحك فاغتنمها" والذي لم يغتنم رياحه فلا بدَّ أنه أحمق جاهل بمآلات الأمور؛ فالفرصة المتوفرة اليوم لن تراها غداً، والتاريخ يعيد نفسه، فمن غير الممكن أن تعيد نفس الأخطاء وتنتظر نتائج مختلفة.

عقب رياح التغيير التي هبت على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص كان هناك بوادر نهضة وتحرر يقودها الشباب الثائر، تريد أن ترمي الأنظمة القديمة بكل ما تملكه من بيع وارتهان ولا وطنية وتسعى لأن تكون نداً وخصماً لكل مشروع لا يريد لهذه البلاد ولشعوبها خيراً، لكن كما يقول المثل الشعبي "حساب السوق لا يمشي مع حساب الصندوق" فحصل التفاف كبير على هذا المشروع وأهدافه من القوى التقليدية في المنطقة والتي ترى في هذا المشروع تهديداً لها، متمثلة ببعض الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والسعودية وبقايا القوميين والممانعين والمستفيدين العرب والخائفين على عروشهم هنا وهناك.

لكن هذه القوى لم تدر أنها إذ حاربت هذا المشروع الذي كان يمكن لها احتواؤه حاربت نفسها وقضت على آخر أدواتها وكسرت سيوفها التي كان من الممكن أن تقارع بها أي خطر محتمل وعلى رأسه إيران التي نرى اليوم ضخاً إعلامياً ضخماً لمواجهتها من الدول آنفة الذكر لكن هيهات ...... فالتمدد والتغلغل الإيراني لا يواجَه بالبيانات والاجتماعات والخطب.. هذا المشروع لا يكسر إلا بذي قار أو قادسية تبدد أحلام أكاسرة اليوم الذين يلبسون عباءة الدين والمذهب.

ما سبق جعل هذه الدول تَظَهر مجردة من أسلحتها أمام أعدائها فأهم سلاح كان يمكن أن تمتلكه هذه الأنظمة هو الشباب الثائر الذي خرج ضد الاستبداد في كل من سوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس ورغبتهم في بناء أنظمة وطنية صُلبة قادرة على المجابهة، هذا الأمر الذي رأيناه جلياً في "مصر مرسي" التي حاولت أن تفرض نفسها نداً في كثير من القضايا الإقليمية، لسنا الآن بصدد تقييم هذه التجربة القصيرة لكننا لا نستطيع نكران التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في هذه السنة التي تصدر فيها الإسلام السياسي المشهد في مصر ولا نستطيع أن ننكر أيضاً محورية الدور المصري في المنطقة كلها.

تفتت الحلم الثوري في دول الربيع العربي "مرحلياً" لتعود عقارب الاستبداد مجدداً وتضبط ساعة البلاد على توقيتها لكن دول الثورات المضادة لم تدر أو ربما تغافلت عن أن أنظمة الفلول الهشة محال أن تُنتج رؤية وطنية شجاعة قادرة على اتخاذ قرار الحرب ضد إيران التي تُعتبر العدو الأول بحسابات المرحلة فهي لا تستطيع إلا أن تفكر بكيفية بقائِها في السلطة مضحية بكل شيء، وأكبر مثال على ذلك هو موقف السيسي المتهلهل من إيران على الرغم من الآمال الخليجية التي كانت معلقة على دور رئيسي لمصر في هذه المواجهة.

وعلى الطرف المقابل رأينا تركيا تلك الدولة الطامحة حاولت الاستفادة من المد الثوري رغبة منها في بناء حلف وثيق لطالما حلمت به مع عمقها الاستراتيجي المتمثل في دول المشرق العربي فهي تعرف جيداً أطماع إيران الصفوية التي كانت على مر التاريخ خنجراً في خاصرة السلطنة العثمانية، فحاولت تركيا التقارب مع القوى الثورية الوليدة بل تجاوزت ذلك لمحاولات باقتراب من المملكة السعودية التي تعتبر المرجِّح السياسي والاقتصادي في المنطقة وحصل تقارب طفيف ما لبث إلى أن انتهى بعد الحلف الكبير بين الإمارات والسعودية ضد الحراك الثوري العربي وقوى الإسلام السياسي وعلى رأسها تركيا التي تعتبر الحاضنة الأكبر له، وبهذا كان الخطأ التاريخي الذي جرّد العرب من أسلحتهم أمام إيران بخسارتين كبيرتين تمثلتا بخسارة القوى الثورية الوطنية في دول الربيع العربي وخسارة تركيا الدولة السنية القوية والتعويل على دور أمريكي في الحرب على إيران فهم لم يتعلموا أن ما تريده أمريكا هو حالة الاقتتال الدائمة في المنطقة وإنهاك واستنزاف الجميع فيها.