الأثنين 2017/07/17

“قص النجيل” أحدث استراتيجيات ترامب لمكافحة الإرهاب

دأبت مراكز الدراسات الأوربية والأمريكية على تحليل أسباب ظاهرة الربيع العربي أولاً، ومن بعده ظاهرة الإرهاب كنتيجة له ثانياً، ومحاولة الربط بينهما، وتتفق الدراسات بالمجمل أنه لا يمكن معالجة الظاهرتين واحدة بمعزل عن الأخرى، وإنما يجب إيجاد حلول مشتركة ومتزامنة لهما.

بوصول رجل الأعمال المتعطش للمال إلى رئاسة البيت الأبيض ضرب بعرض الحائط كل الاستراتيجيات التي تتحدث عن أن الحلول يجب أن تتضمن ركيزتين أساسيتين:

الأولى: نشوء ديموقراطيات تحكم دول المنطقة، ووجوب فتح باب المشاركة في الحياة السياسية للأحزاب، وللنخب المثقفة، ومنح دور حقيقي لها في صنع القرار، والعمل على صياغة عقد اجتماعي عصري يغيّر المعادلة البالية التي استند إليها الحكام الذين ثارت شعوبهم عليهم، والتي كانت محصورة بأمرين اثنين:

1- استحقاق هؤلاء الحكام للحكم مقابل تقديم الخدمات العامة للشعب (الماء والكهرباء والطعام وغيرها)، واعتبار طول مدة حكمهم علامة النجاح الأقوى -وقد تكون الوحيدة -لهم.

2- الإذعان السياسي والولاء مقابل التوظيف في القطاع العام.

الثانية: إنشاء اقتصاديات مستقرة ونامية تستوعب طاقات الشباب خصوصاً، وتبعد عنهم شبح البطالة، وتحصّنهم من الوقوع في براثن المنظمات الإرهابية وأفكارها الهدّامة.

ترامب ليس مهتماً مطلقاً بهذا الجانب من الدراسات البعيدة المدى، فهو معتاد على إبرام الصفقات قصيرة الأجل التي يقبض ثمنها بشكل فوري.

ترامب يرى أن مكافحة الإرهاب ليس مشروعاً إصلاحيّاً يمكن من خلاله الوصول إلى حلول جذرية ونهائية له، هذا سيقطع عليه صفقات الأسلحة بمئات مليارات الدولارات، وغيرها من مكاسب مالية تصبّ في الخزانة الأمريكية، وعليه أن يُبقي ملف مكافحة الإرهاب ملفّاً مفتوحاً يبتز به دول العالم قاطبة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ويرفع شعبيته في بلاده: (ترامب الرجل القوي الذي يعيد عَظَمة أمريكا).

ترامب ذهب إلى خيار وحيد يحقق له حزمة أهدافه السابقة يتمثل في سياسة "قصّ النجيل" أو "الاحتواء".

ملعب كرة القدم المثالي يتعرض النجيل فيه للقص بشكل متكرر ليبقي على طراوته وحيويّته، ويمنع وصوله إلى مرحلة تقسو وتصلب سيقانه وتصبح مؤذية للاعبين فوقه.

الملعب المثالي كذلك لا يسمح لآلة القص أن تستأصل النجيل، لكن لها حسب رأي من يحرّكها أن تقص العشب من اتجاهات مختلفة، ليظهر بألوان ورسومات متباينة، وليظهر للجمهور هذا التدخل اللطيف من مهندس العملية.

ترامب اليوم هو مهندس هذه العملية، ويرى العالم كملعب كرة القدم في استراتيجيته لمكافحة الإرهاب.

ترامب ينطلق من مبدأ سائد في الولايات المتحدة أن الإرهاب حقيقة ثابتة في البيئة الأمنية العالمية، صحيح أنه من الأفضل للسلم والاستقرار الدوليين عدم وجودها، لكنها أمر واقع فقط يتطلّب إبقاءه تحت السيطرة باستمرار التدخل بشكل متكرر لتخفيض مخاطره القائمة، ومنع ظهور تهديدات جديدة، ووقف الهجمات على المصالح الأمريكية قبل أن تحدث.

ترامب يطور أدوات جديدة في استراتيجيته تتجاوز ما يسمّى سمعة أمريكا كدولة تحمي القيم والأخلاق، وتدافع عن حقوق الإنسان، هو لا يهمه هذا الأمر كثيراً.

أولى أدواته ما يجري الحديث عنه علانية حول إعادة تأسيس دول مركزية قوية، ولو كان يسيطر عليها المنتفعون والأشخاص السيئون لأنها ستكون قادرة على مكافحة الإرهاب بقواتها المحلية دون الحاجة لإرسال القوات البرية الأمريكية كما حدث في أفغانستان والعراق.

ثاني أدواته بناء شبكة تحالفات إقليمية تحت عنوان مكافحة الإرهاب، لكن حقيقتها توريط لهذه الدول في الشأن السوري وتحمل جميع تبعاته الاقتصادية والأمنية، وجعلها سوقاً رائجاً لصناعة السلاح الأمريكي.

ثالث هذه الأدوات الوصول إلى تنسيق عالي مع روسيا، وخصوصاً في القضايا العسكرية والاستخباراتية، وصولاً إلى شراكة سياسية معهم لتمرير القرارات الدولية حول سوريا في مجلس الأمن.

نتائج هذه الاستراتيجية على الوضع السوري لا تحتاج كثير ذكاء لاستخلاصها، وهي تسير بخطوط متوازية ومتسارعة، على الأقل نستطيع لمسها في تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، وموقفه من الأسد في عدم وجود بديل له من المعارضة، ومسار أستانا في التركيز على الهدن والمصالحات كحل سياسي وحيد يتوّج ببقاء الأسد في السلطة مع تغييرات دستورية، وإصلاحات حكومية طفيفة، كما تتجلّى في مسار جنيف في إصرار دي مستورا على إقحام منصة موسكو التي ترى أن معنى جسم الحكم الانتقالي الوارد في المفاوضات يعني تعيين خمسة نوّاب للرئيس يتقاسمون صلاحيات الإشراف على الحكومة، والأجهزة العسكرية والأمنية، والسياسة الخارجية، والمؤسسات التشريعية، والقضائية. وأن المهمة الأساسية للجسم الانتقالي والهيئات المنبثقة عنه هي تحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة الإعمار لا أكثر.

إذن المسارات السياسية المفتوحة جميعها بربطها مع استراتيجية ترامب لا تتحدث اليوم صراحة عن رحيل الأسد ونظامه، إن لم نقل إنها توحي برغبتها في بقائه، وإعادة تأهليه بل وتقويته ليكون هو الشريك الرئيسي في حل معضلتي الإرهاب واللاجئين السوريين.