الخميس 2017/07/20

قرارات ترامب وبداية نهاية الفصائلية في سوريا

في برنامجه الانتخابي كمرشح جمهوري مقابل سياسات الديموقراطيين، وفي حوار تلفزيوني مع قناة NBC الأميركية في شهر آب أغسطس/2016 أبدى دونالد ترامب رفضاً شديداً لسياسة الولايات المتحدة في تدريب ودعم المعارضة السورية، قائلا "لا ندري من هؤلاء الأشخاص ولا نعرف نواياهم"، مرجحاً أن "تكون المعارضة أسوأ من الرئيس السوري بشار الأسد".

في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان البرنامج السرّي لوكالة الاستخبارات الأميركية CIA متعثراً بطريقة لا توصف، كان الشعور بعدم الثقة سائداً بين الأمريكيين وبين "الفصائل المسلحة" ، فالطرف الأمريكي يدقق بشدة في الخلفيات الفكرية للمقاتلين والفصائل التي ينتمون إليها لضمان عدم وجود متطرفين في البرنامج، فيما الفصائل تشكك في النوايا الأمريكية في استخدامهم فعلياً لمكافحة الإرهاب فقط، أما نظام الأسد فالبرنامج ورقة إعلامية للضغط عليه لتغيير بعض سلوكياته، وليس لهزيمته عسكرياً، كان حجم البرنامج أقل من هذا الهدف بكثير.

البرنامج كان متوقفاً منذ فترة طويلة، وقرار الإلغاء كان قبل شهر تقريباً في اجتماع مع مدير المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي ماكماستر، وذلك قبل لقاء ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 تموز/يوليو في ألمانيا على هامش قمة مجموعة العشرين.

الإعلان عن القرار اليوم يأتي ضمن موجة التحولات العميقة لمواقف الدول الحليفة للفصائل المسلحة في التوقف عن دعمها، ودفعها باتجاه مسارات الحل السياسي في مفاوضات جنيف وأستانا.

موجة التحولات هذه تفسًر سلوك الفصائل المفاجئ اتجاه قضايا كانت تعتبرها من المحرّمات، فمن رفض كامل لمفاوضات جنيف 2 عام 2014، إلى انخراط قوي فيها وبنصف الوفد المفاوض، وانفرادها بالمشاركة بمسار أستانا الروسي بعد أن كانت روسيا قوة احتلال عدوة ينبغي قتالها، ومن امتناع عن الانتساب للكيانات السياسية الممثلة للمعارضة إلى تنافس على الدخول في هيئة المفاوضات، ومثل ذلك في الحصول على عضوية الائتلاف اليوم، بل وحتى عضوية هيئة التنسيق، ومن الإصرار على رفع الرايات الخاصة بكل فصيل إلى القبول برفع علم الثورة، ومن منع رئيس الحكومة المؤقتة من دخول البلاد إلى الاستعداد بتقديم الدعم والحماية اللازمين للحكومة لتسهيل عملها.

إعلان ترامب قد يسدل الستارة على الفصل الأخير من عمر الفصائل المسلحة بشكلها الحالي، وانتقالها إلى قوة منظمة مثل PYD، وهو ما ظهرت بوادره في النداءات الآن حول تشكيل جيش وطني.

جزء من المشهد من الجانب الذي يخصُّ الفصائل يمكن تفسيره بتجنب تصنيفها كمجموعات إرهابية، ومن الجانب الدولي نهاية ما يسمى الحل العسكري إلى غير رجعة، ووجوب الوصول إلى حل سياسي بين النظام وبين الفصائل التي ستصنّف أنها معتدلة شرط قبولها بالحل السياسي كحل وحيد للأوضاع في سورية .

التمايز بين الفصائل المعتدلة والمجموعات المصنّفة كإرهابية سيكون على أشدّه في الأيام القادمة، وهو غالباً لن يخلو من مواجهات مريرة بدأت فعلياً، ستنتهي بتصفية الفصائل المعتدلة على الأقل في الشمال السوري، ما يفسح الطريق للنظام وللتحالف الدولي على حد سواء من اجتياح الشمال الذي سيتوزع بين منطقة درع الفرات، ومناطق سيطرة PYD، فيما يسترجع النظام باقي الشمال.

التسوية السياسية ستكون حاضرة حينها ضمن التوافقات الدولية حول مصير الأسد وشكل الحكم القادم، لكنها اليوم بداية النهاية لقصة حزينة تغلّبت فيها الفصائلية، ومنعت تشكيل جيش تحرير وطني ينهي حكم الاستبداد والفساد.