الخميس 2018/04/12

عن كيماوي دوما والزفة الأمريكية والغربية

كان مشهدًا كوميديًّا بامتياز ذلك "التلاسن" الذي تم بين المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، وبين المندوب الروسي.

فحين تحدثت الأمريكية عن تواطؤ الروس مع "بشار" على قتل الأطفال بالكيماوي في دوما، رد الروسي بالقول: هل نسيت أمريكا ما فعلته في الرقة؟!!في سوريا مهرجان للقتل والتدمير؛ شارك فيه الأمريكان مشاركة فعالة، واستخدموا في الرقة ودير الزور وعين العرب  ذات سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها الروس في حلب وحمص والغوطة الشرقية، ولكن تحت يافطة "الحرب على تنظيم الدولة .

هناك فارق بسيط للتذكير فقط؛ هو أن الأمريكان كانوا بين الفينة والأخرى، يعترفون بوقوع خطأ ما أدى إلى قتل مدنيين (اعتراف دبلوماسي بلا قيمة طبعًا)، مع أن معظم ضحاياهم من المدنيين. أما الروس فلم يعترفوا أبدًا بأي خطأ في عمليات القصف والتدمير التي مارسوها، ربما لأن صواريخ بوتين "مباركة"، تماما مثل حربه "المقدسة" التي يخوضها.

نتذكر ذلك بين يدي الزفة الأمريكية والغربية ردًّا على استخدام الكيماوي في دوما من قِبَل النظام، ودعوات الرد عسكريًّا على ذلك، والتي يتردد صداها في واشنطن وباريس، والأهم في واشنطن على لسان "ترامب" ومساعديه.

للتذكير فقط؛ في 2013، ارتكبت مجزرة أكبر بكثير بغاز السارين في الغوطة الشرقية استشهد فيها أكثر من 1700، وكانت النتيجة تهديدات أمريكية، أسفرت في النهاية عن اتفاق على نزع سلاح الأسد الكيماوي ، وكانت مفارقة تاريخية أن يكتفى بمعاقبة النظام؛ فقط بنزع سلاح الجريمة من بين يديه، ليس لأجل الضحايا، بل لأجل مصلحة الاحتلال الاسرائيلي، لأن الضحايا يُقتلون على نحو أكثر بشاعة بأدوات أخرى لا يحتج عليها أحد!!

نفتح قوسَا كي نشير إلى أن إعلام النظام وفي سياق نفي المجزرة لم يفتأ يردد سؤال السبب الذي يدفع النظام إلى استخدام الكيماوي، بينما هو يتقدم على الأرض في الغوطة، ويكاد ينهي الملف، وهو سؤال بائس وسخيف، كأن بالإمكان الحديث عن سبب وجيه لكي يقتل مجرم ضحية جديدة بعد قتله آلافًا قبلها.

لا تسأل بعد ذلك عن إمكانية أن يقوم ضابط ما، وفي سياق من الانتقام باستخدام الكيماوي دون قرار من المستوى الأعلى، أو أن يكون ما جرى بمثابة تهديد لبقية المناطق التي يسيطر عليها الثوار.

نعود إلى المسألة الأكثر أهمية الآن، وهي تلك المتعلقة بسؤال الرد الأمريكي والغربي المتوقع.

ربما كان من الصعب الجزم بتفاصيل الرد المقبل، وقبل ذلك بحدوثه أصلًا، وإن بدا احتماله كبيرًا، لكن المهم هو أن أي ردٍّ لن يتجاوز في واقع الحال حدود الاستعراض الذي يمنح الغرب بعض الوجه الأخلاقي، من دون أن يغير شيئًا في استراتيجيته التي تؤكد الحفاظ على النظام، وقبل ذلك وبعده على إطالة أمد الحرب من أجل استنزاف الجميع الروس الآن في المقدمة بالنسبة لأمريكا، وهي ذات الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية منذ بدء "عسكرة" الثورة السورية.

الاحتلال الاسرائيلي بدوره استغل هذه الأجواء، وضرب أهدافًا إيرانية في قاعدة "التيفور"، فأهان الإيرانيين بعد حديثهم البائس السابق عن "تغيير قواعد الاشتباك" إثر إسقاط الطائرة الإسرائيلية، وأعادالاحتلال الاسرائيلي التأكيد على استراتيجيته في سوريا، وعنوانها بقاء النظام ضعيفًا منهكًا يضمنه الصديق بوتين، ولكن مع عدم السماح بنقل أسلحة إلى مليشيا حزب الله في سوريا، ومنع بناء قواعد إيرانية في سوريا قريبة من حدود فلسطين.

قد يستغل بعض "الشبيحة" ذلك في الترويج لإيران وللنظام، لكنهم بذلك يهينون شعبًا أبيًّا فاجأ الدنيا كلها حين خرج على نظامه؛ ليس مجاملة لأمريكا والصهاينة، وإنما طلبًا للحرية والكرامة.

سوريا مجزرة القرن التي أطلق شرارتها "خامنئي" بقراره التدخل ضد شعب خرج يطلب حريته وكرامته كجزء من ربيع الشعوب، ومكث يبذل الدماء في الشوارع شهورًا دون رصاصة واحدة، قبل عسكرة الثورة بقرار من النظام، فكان تدمير البلد، وقتل وتهجير الملايين من شعبه، وكان استنزاف شعب إيران وكل شعوب المنطقة، بينما حقق الصهاينة مكاسب كبيرة، ومعهم الأمريكان الذين صار لهم موطئ قدم في سوريا.


المصدر : الدرر الشامية