الأثنين 2018/11/05

على نار هادئة.. تنضج طبخة التغيير الديمغرافي بسوريا

يعتقد الكثيرون أن تبعات التغيير الديمغرافي الذي فُرض في سوريا لن تظهر في الوقت الحالي، بل ستظهر في وقت لاحق، فعلى سبيل المثال لن تكون داريا اليوم كما هي داريا بعد 20 عاماً، ولن تبقى مدينة حلب كما هي الآن مدينة مدمرةٌ وليس الوجودُ الشيعي ظاهراً فيها بشكل كبير، بل شاهدوا حلب بعد سنوات قادمة، بعد أن تم تغييرُ التركيبة السكانية فيها بموجب اتفاقات التهجير التي جرت في مراحل متعددة، وبطبيعة الحال كانت إيرانُ أكثرَ المستفيدين منها، حيث وطَّنتْ مليشياتها مع عائلاتهم في المدن السورية التي هُجر منها سكانها إلى الشمال السوري.

رعت إيران بشكل مباشر تهجيرَ أهالي داريا وأحياءِ دمشق والزبداني ومضايا ومدينة حمص ومناطق أخرى، بالتزامن مع المشاريع الروسية المماثلة التي لا يهمها سوى أنْ يسيطرَ النظام وينتهي خطرُ سقوطه من قبل المعارضة السورية، بغض النظر عمّن سيستوطن في محل السكان الأصليين الذين رفضوا البقاء تحت مناطق يسيطر عليها الأسد.

في واقع الحال فإن توطين الشيعة الإيرانيين والعراقيين وغيرهم في سوريا كان موجوداً قبل الثورة السورية، وعمل حافظ الأسد على تقديم تسهيلات لإيران بنشر حوزات ومعممين، وعلى نفس المنوال سار بشار الأسد بعد استيلائه على الحكم بطريقة غير شرعية، حيث عمَّقَ العلاقات مع إيران وكان ملفتاً للانتباه التمدد الشيعي بصمت في مناطق سورية عدة مثل ريف دير الزور الشرقي ومدينة دمشق في أواخر 2010.

نظام الأسد بطبيعة الحال ومنذ استيلائه على السلطة عمل على تغيير في البنية السكانية في سوريا من خلال توطين العلويين في مناطق ذات غالبية سنية، مثل مدينة حمص ومدينة دمشق ومناطق أخرى، لكنه لم يستطع أن يخلق أكثرية بسبب الكثرة السنية في سوريا حيث يشكل السنة 80% من سكانها، غير أنه عَمِلَ على خلق نوع من التوازن ونشر العلويين في المناطق الحيوية المهمة مثل حمص وحماة ودمشق، وبتقديمه التسهيلات لإيران. انسجم ذلك مع خططه الرامية إلى توطين شيعة وعلويين ليشكلوا أكثرية، ووجد نظام الأسد وإيران في حصار المدن السورية أفضل طريقة لتهجير قاطنيها وإحلال شيعة محلهم، ليُكملوا بذلك خطة التغيير الديمغرافي التي لم تبدأ بعد الثورة السورية بل بدأت من قبلُ كما ذكرنا، لكنها باتت أوسع نطاقاً وعلنية عقب الثورة.

في الأيام الأخيرة منع نظام الأسد عودة سكان داريا ووادي بردى والزبداني بحجة وجود ألغام أو عدم التأهيل، وهذا ما يقطع الشك باليقين حيال نيته منع عودة السكان الأصليين إلى مناطقهم، ويسعى من خلال القانون رقم 10 إلى الاستيلاء على الأملاك، وقام بالفعل بتجريف العديد من الأبنية في دمشق وريفها، وهذا ما من شأنه أن يُضيّعَ حقوق الملكية لمن في الداخل، ويعطي للخارج رسالة مفادها "لا تفكر بالعودة إطلاقاً".

صحيفة "الأيام" الموالية كشفت مؤخراً أن النظام استولى على أموال 40 ألف سوري في 2017 بتهمة "الإرهاب"، في زيادة 10 آلاف مقارنة مع العام 2016 ، وسط توقعات بزيادة هذه النسبة في العام الجاري والأعوام التي تليه، وهذا الأسلوب يندرج بالطبع ضمن خطة النظام للاستيلاء على الأموال والأملاك وبيعها للمستوطنين الجدد.

عوَّلَ الكثيرون على حدوث انقسام أو خلاف روسي إيراني يمكن أن يؤدي إلى نزاع كبير بينهما يؤدي إلى تحجيم روسيا للمليشيات الإيرانية، غير أن المشروعين الروسي والإيراني؛ وإن اختلفا في ناحية من النواحي بسوريا إلا أنهما يتفقان في نواح كثيرة يتصدرها بقاءُ الأسد حاكماً وقتال السنة، وهذا ما ظهر في كلام لافروف نفسه قبل سنوات حينما قال إنه لولا التدخل الروسي لكان السنة استولوا على دمشق، ويتقاطع مع موقفه بشار الأسد الذي يرى أن الوطن ليس لمن يحمل هوية سورية بل لمن يقاتل فيه ليدافع عنه، وإن كان كلام الأسد في ظاهره صحيحاً ولا خلاف عليه إلا أن في باطنه رضا منه وقبولا بتوطين الشيعة بل وتشجيع الشيعة الآخرين إلى القدوم لسوريا.

بكل هدوء تمضي إيران في مشروعها للتغيير الديمغرافي، ولا يبدو أن أحداً سيطفئ النار الموقدة منذ سنوات لنضج تلك الطبخة التي لن يتذوق طعمها الكريه السوريون فقط؛ بل جميع الذين تخاذلوا عن نصرة الثورة السورية، مثلما يذوقون الآن مرارة تسلط إيران على العراق ولبنان واليمن؛ تلك الدول العربية التي تحولت إلى محافظات إيرانية توشك سوريا أن تلتحق بها، فيما يعول العرب على الغرب لوقف التمدد الإيراني.. فهل الغرب يهتم للتغيير الديمغرافي؟