الثلاثاء 2017/10/17

“علاوي”.. طفل على هيئة “كاسحة الألغام”

إذا أردت أن تصبح بطلاً فعليك قراءة قصص الأبطال الحقيقيين، ولعلَّ قصص أبطال العصور القديمة في المعارك التي كانت تعتمد على سيف وترس لم تعد تثير أحداً في عصرٍ استخدمت فيه قوى العالم أجمع، كل أنواع الأسلحة والقنابل والمتفجرات على سوريا عامة، وديرالزور بشكل خاص، ما أدّى إلى نزوح مئات الآلاف هائمين على وجوههم في بادية دير الزور الفاصلة بين مناطق سيطرة تنظيم الدولة والمليشيات الكردية الانفصالية، والتي زرعها التنظيم بالألغام كي تحصد ارواح وأعضاء كثير من أطفال ونساء وشيوخ المحافظة الفارّين من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي الذي أصبح جنونياً في الفترة الأخيرة.

كاسحات الألغام المتطورة قد تخطئ أحياناً وتتسبب بمقتل القوات التي تعبر خلفها، ولذلك تعتمد الكثير من الجيوش على إعادة تمشيط المنطقة المراد العبور إليها أكثر من مرة، لكن طفلاً  ديرياً سطّر من خلال عصاه التي كان يهشّ بها على أغنامه صفحةً من صفحات البطولة، حيث هُجّر "علّاوي" قسراً مع عائلته ومعهم نحو مئة وخمسة وستين شخصاً معظمهم أطفال ونساء، من ريف دير الزور الشرقي، ليتركهم تجار الدم "المهرِّبون" يواجهون مصيرهم أمام حقل ألغام لتنظيم الدولة وكانوا أمام خيارين.. إما  أن يعودوا إلى موت محتّمٍ في قراهم أو أن يتابعوا مع تحمُّل أخطار انفجار الألغام في أي لحظة.

"علي أحمد راشد الكوالط" طفل حمل على عاتقه مهمة الفدائي الذي سيضحي بنفسه كي ينقذ أمه وأباه الذي أراد أن يتطوع بالسير أمام العوائل لكنّ "علاوي" كما يلقبه أهل قريته، قال بلسان رجل خًبِرَ الحياة: أفضِّلُ أن أموت أنا على أن يمسّ أياً منكم خدشٌ بسيط، وفعلاً بدأت لحظات كانت بمثابة سنوات على قلب وعيني "أم علي" التي تتوقع أن يتقطع ابنها في أي لحظة أمامها بفعل انفجار لغم لا يعلم حتى من زرعه أين مكانه..

كانت القلوب تدعو الله أن يسلّمه وعيون أكثر من مئة مكروبٍ شاخصةٌ تنتظر حدثاً مهماً، كأن تنتهي مغامرة "علاوي" بأن يوضع أمام اسمه كلمة "شهيد" ويحال جسده إلى أشلاء، وكان "علاوي" هو الوحيد المبتسم بين مئة وخمسة وستين شخصاً، يبكون فرحاً وخوفاً في كل خطوة يخطوها، وهو يخط بعصاه الدرب لهم، إلى أن قطع حقل الألغام الذي يمتد نحو ثلاثين متراً .. كانت بالنسبة له ولهم بحجم الكرة الأرضية، وصل أعلى التلة رافعاً يديه كمنتصر ويشير لهم كربّان سفينة بلغ أمانيه من رحلة يحفها الموت من كل جانب، وعبرت العوائل على خطا وخطوط رسمها "علاوي" على الأرض بعصاه.

هي قصة بطل من ديار لا تعرف الخوف والخنوع، قارعت طغاةً ومستعمرين ومحتلين منذ فجر التاريخ ولم تمت، ولطالما أنجبت أبطالاً ولاتزال .. ولّادة.. معطاءة.. وستبقى.