الخميس 2017/07/20

شهوة المنصب حينما تفتك بين “إخوة المنهج”

مما لا شك فيه أن شهوة الحكم والسلطة تأخذ لُبّ أغلب الرجال لدرجةِ أنها قد تدفعه إلى أن يتخلى عن دينه وأمته وكرامته وأرضه في سبيل الوصول إلى البقاء في السلطة أو الصعود إليها، وكم سجّل التاريخ الماضي والحاضر أسماء رجال ولغوا في تلك الفتنة والشهوة ولغاً لا متناهياً فأُشربتْها قلوبهم ودماؤهم، ولعل نظام الأسد خيرُ مثال نستطيع أن نسقطه في تاريخنا الحاضر، فهو تنازل عن سوريا بما فيها للروس والإيرانيين والأمريكيين وغيرهم من الطامعين، وجعل البلاد قبلةً لشذاذ الآفاق للوصول إلى هدف البقاء في السلطة حتى إن كانت "شكلية" ، شأنه شأن أبيه أيضاً الذي تنازل عن الجولان للاحتلال الإسرائيلي.

لكنْ أنْ تتمكن شهوة المنصب من الذين لا يسمون أنفسهم إلا رجال دين ولا يحبون أي لقب سوى لقبِ الداعية الإسلامي، فينزلقون بتبعات تلك الشهوة ليطحن بعضهم  بعضاً ويضربوا أعناقهم بسيوفهم؛ كلٌّ يستهل ضرب عنق الآخر بالتكبير ويُنهي بالتكبير أيضًا، فهذا من العجب الذي يعصر القلب ويفتت رباطة جأشه.

إن ما يجري بين فصيلي " هيئة تحرير الشام " وحركة " أحرار الشام " ذوي الطابع الإسلامي واللذين لا يتحدثان عند قيامهما بأي معركة إلا باسم الجهاد، لا يخرجُ عن كونه في الحقيقة سوى سعيٍ من أحدهما لتصفية الآخر من أجل الوصول إلى غاية "السلطة الكاملة" في الشمال السوري، فتبدأ سيول الاتهاماتِ بين هذا وذاك إلى درجة النقاش والمهاترات بأمور بسيطة جداً، لتكبرَ شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى درجة تعطي لأحدهما الحجة أمام العامة لتبرير الهجوم.

لم يعد الصبر على السكوت عما يجري يُجدي نفعا، فلقد صُمنا عن الكلام في الاقتتال رجاء أن تهدأ تلك الفصائل وتعود إلى رشدها، لكن الأمر وصل اليوم منتهاهُ والسيل بلغ الزبى، فالمنطقة تتصاعد فيها وتيرة المعارك دون أي تفكير بالعواقب وما ستؤول إليه النتائج بسبب شحن "القادة الإسلاميين" عناصرَهم ليثخنوا بمن يُعتبرون إخوتهم في المنهج والعقيدة.

سيسأل الله هؤلاء قادة هؤلاء "الإسلاميين" عن القتلى المدنيين الذين سقطوا بنيرانهم ، وسيحاسبهم أيضاً عن عشراتٍ من القتلى العسكريين الذين سقطوا في هذه المعركة بعد أن تم شحنهم وتجييشُهم لدفعهم نحو قتل الطرف الآخر الذي لو سنحت له الفرصة أيضًا لقام بنفس الفعل لأنه مشحون عقائديًا كذلك من قبل قادته، سيسألهم لمَ لمْ توجهوا كل ذلك العتاد الثقيل إلى المعارك التي اكتفيتم بمتابعتها ومراقبتها من بعيد وكان نتيجة تخاذلكم عنها أنْ نكّل النظام بشعبكم وإخوانكم وهجرهم من بيوتهم ؟ !

لن يقبل منكم الشعب السوري أيها المتناحرون أي عذر، فاستجيبوا لما يُطلب منكم الآن بإيقاف ما يجري بينكم من خلاف أوصل بعضكم إلى وصف أخيه المسلم بالخنزير! ، ماذا تركتم لوصف الإيرانيين والروس والمليشيات إذاً ، عجباً لهذا المنصب الذي تتقاتلون من أجله ! .

إنَّ ضحية المنصب إن غاب عنكم أيها "القادة الإسلاميون" هو وجودكم وبقاؤكم في المِنطقة، إلا إذا كنتم قد نسيتم ما حل بمعظم من حذا حذوكم في الزمن السالف فكانت نهايته الفناء، سيكون ذلك مصيركم إن نجح أحد منكم بالقضاء على الآخر.. ثقوا بذلك وكونوا على يقين تام أنه حاصل لا محالة إن لم تستجيبوا لمطلب وقف النار والصلح العاجل، ولتعلموا أن استمرار تصارعكم يجعلنا نحن السوريين في الداخل والخارج نتوجس خيفةً من وعيد الإيرانيين عندما سخرنا منهم يوماً حين قالوا إنهم سيدخلون إدلب مشياً على الأقدام دون أي جهد.. فهل سيحصل هذا يا ترى بسبب طيشكم وحبكم لشهوة السلطة أكثر من حبكم لحقن الدم والدفاع عن الثورة التي تقولون إنكم تذودونَ عنها، بينما تقومون الآن في واقع الأمر بهدم ما بنته حجراً حجراً وباسم الإسلام أيضًا..!!