الخميس 2018/06/21

سياسة ولي العهد السعودي.. العام الكارثي!

في مثل هذا اليوم من العام 2017، وصل "محمد بن سلمان" إلى منصب ولاية العهد بعد إزاحة "محمد بن نايف بن عبد العزيز" و"إعفائه" في صورة غامضة، من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومنصب وزير الداخلية.

سنة واحدة فقط.. كانت كفيلة بتغيرات كبيرة حلّت بالمملكة داخلياً وخارجياً، واللافت أن هذه التغييرات ارتبط معظمها بتناقضات إشكالية، جعلت منتقدي "الأمير الصغير" يتشاءمون حول مستقبل المملكة التي تأسّست عام 1932، فيما يحاول ولي العهد الجديد الترويج لدخول بلاده مراحل جديدة في التاريخ عبر "إصلاحاته" في عدة مجالات.

إصلاحات شكلية مقابل حملة قمع غير مسبوقة:

وضع بن سلمان لمنهجه في تغيير وجه المملكة عنواناً كبيراً أطلق عليه اسم "رؤية 2030"، ويحمل هذا العنوان وفق المعلن حزمة من الإصلاحات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، لكن.. لا حديث البتة عن إصلاحات سياسية جوهرية.

في 26 أيلول 2017 صدر قرار ملكي يتيح للنساء قيادة السيارات اعتباراً من 24 حزيران، في مسعى لإبراز المسار الجديد الذي تسير عليه المملكة. ثم توالت موجات من التغييرات تضمّنت افتتاح دور للسينما والسمفونيّة، والسماح للنساء بحضور الحفلات العامة والمختلطة، وإعطاء "هيئة الترفيه" نفوذاً كبيراً في مفاصل اجتماعية وثقافية بالمملكة.

إجراءات ربما كانت ذات قيمة لولا أنها بدت غطاء رقيقاً لما يحصل على ساحة أخرى، ففي الوقت الذي أعطى فيه ولي العهد الشاب صورة للغرب بالانفتاح، شن حملة مسعورة على طائفة من رجال الدين والعلماء والمفكرين وزج بهم في السجون، ثم لم يلبث أن وضع القيود في أيدي وأرجل وزراء ومسؤولين وأمراء، وغيبهم عن الأعين في فندق "الريتز كارلتون" قبل أن يتم إخراجهم مقابل مبالغ مالية خيالية.

وبعد هذا وذاك، طالت حملة القمع مجموعة من النشطاء المدافعين عن حقوق المرأة بتهم وذرائع كالتواصل مع جهات خارجية والعبث بأمن المملكة.

تقارب مع إسرائيل وتعميق فجوة الخلاف مع قطر:

أكد العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في نيسان الماضي موقف المملكة "الثابت من القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس". وفي الوقت نفسه قال ابنه ولي العهد خلال مقابلة صحافية "أعتقد أن لكل شعب، في أي مكان كان، الحق في أن يعيش في وطنه بسلام. أعتقد أن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في أن تكون لكل منهما أرضه".

وأضاف "إسرائيل اقتصاد كبير مقارنة بحجمها واقتصادها ينمو بقوة. بالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع إسرائيل، وإذا كان هناك سلام، فستكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن".

تصريحات غير مسبوقة في تاريخ المملكة التي يُفترض أنها تقوم بدور "الزعامة"  في العالم الإسلامي والدفاع عن "القضية الفلسطينية". ليس هذا وحسب.. فاللافت أن هذا "الغزل المعلن" مع إسرائيل يتزامن مع مقاطعة وحصار مفروض على الدولة الجارة قطر منذ الرابع من حزيران في العام الماضي، ورغم الوساطات العربية والإسلامية والدولية إلا أن السعودية ثابتة على موقفها، بل إنها تسير اليوم على مشروع لم يأخذ ربما الموافقة الأميركية بعد وهو ردم الحدود البرية مع قطر وتحويلها إلى جزيرة معزولة!

تبذير مقابل "التقشف ومحاربة الفساد"!:

لعل ما نود الحديث عنه فصلت القول فيه صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أبدت في مقال لها عجبها من ثلاثة مشتريات لولي العهد السعودي " قصر ويخت ولوحة" بلغت دفع فيها ما مجموعه مليار و300 مليون دولار، في الوقت الذي يدّعي فيه بن سلمان أنه يحارب الفساد في بلاده، وفي الوقت الذي فرض فيه مزيداً من الضرائب على المقيمين في المملكة، ومنهم السوريون.

ونقلت الصحيفة عن العضو السابق في المخابرات المركزية الأميركية بروس ريدل قوله إن "الأمير محمد بن سلمان حاول أن يبني لنفسه صورة الإصلاحي المحارب للفساد، لكن تلك الوقائع تضرب تلك الصورة!".

المشكلة في سوريا بإيران لا بالأسد:

بعد ما ملأت السعودية الدنيا تصريحات حول ضرورة رحيل بشار الأسد، إما بالحل السياسي أو بالخيار العسكري وفق تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير. تغير موقف المملكة تماماً في في رؤية ولي العهد محمد بن سلمان، الذي قال في مقابلة مع مجلة "تايم" الأمريكية: "بشار باق"، (في السلطة) .. وليس من مصلحته ترك الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم في سوريا".

المشكلة في سوريا لدى ولي العهد لم يعد بشار الأسد الذي قاتلت السعودية لرحيله على مدى سبع سنوات، بل بات الأمر يتعلق بالعدو الأول والأخير.. إيران، التي إن خرجت من سوريا – وهذا مستبعد على المدى المنظور - فلا يُستبعد أن تعيد الرياض علاقاتها مع الأسد خلال فترة قياسية.

فقدان الثقل في لبنان بعد أزمة الحريري:

في 4 تشرين الثاني – 2017، خرج رئيس وزراء لبنان سعد الحريري على قنوات سعودية، معلناً استقالته بشكل مفاجئ من الرياض، دون سابق إنذار.

ظهرت حقيقة الأمر فيما.. الرياض احتجزت الحريري، وأجبرته على الاستقالة، في محاولة لإرباك المشهد في لبنان، والمقصود هو حزب الله وإيران. ثم تدخلت فرنسا وضغطت عبر زيارة لماكرون إلى المملكة، فعاد الحريري غلى بلاده بعد ثلاثة أسابيع وتراجع عن استقالته.

الحاصل أن هذه الحادثة أفقدت السعودية ثقلها التاريخي في لبنان، والذي كانت تتقاسمه مع إيران وفرنسا، وجعلت جميع الكتل السياسية والعرقية هناك تتوحد ضد احتجاز رئيس الوزراء في ظروف قالت بعض التسريبات إنها وصلت إلى حد إهانته وضربه.

خلاصة الأمر أن الوقائع التي شهدتها السعودية داخلياً وخارجياً خلال سنة من تولّي بن سلمان العهد لا تبشّر بالخير، في ظل سياسة مضطربة، تحمل كثيراً من التناقضات التي يمكن أن تجعل مكانة السعودية إقليمياً ودولياً على المحك، ولا سيما بعد الصور التي أظهرت الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستجرّ من بن سلمان المليارات خلال زيارته للولايات المتحدة، بينما ظهر ولي العهد ..يضحك!.