الثلاثاء 2016/10/11

سوريا….. مخاضٌ عسير أم ولادة جديدة ؟

بعد أن هبت رياح الربيع العربي على مختلف البلدان العربية من تونس إلى مصر ومن ثم ليبيا واليمن كان لابد لهذه الرياح أن تطرق أبواب الشعب السوري الذي هبَّ منتفضاً ضد حكم الأسد الذي أوغل بالظلم والاستبداد فكانت الولادة الحقيقية لثورة يتيمة خذلها الجميع تاركاً الشعب السوري يواجه مصيره لوحده.

خرج الشعب السوري ليقول لا للظلم تاركاً مصيره مجهولاً ورهيناً لتلك القوى التي خرجت منادية لأجل حرية هذا الشعب الذي أراد منذ البداية كرامة وحرية إلا أن الخفايا الكامنة وراء ستار الحقيقة كانت أشد وقعاً على السوريين من تلك القذائف التي تنهال عليهم يومياً.

بدأ الحراك الثوري وبدأت تتكشف معه كل الاجندات الخفية فكانت أنهر الدماء التي لونت التراب السوري هي المرآة التي عكست نفاق المجتمع الدولي الذي بدأ بكلمات التحذير والتنديد ولايزال يلوح بها ضد نظامٍ فاسد وقفت معه كل قوى الشر حتى باتت سوريا قبلةً يقصدها كل أرباب الشر وبات شبح الموت يخيم في سمائها قاصداً كل بيوت السوريين وهو الامر الذي أخذ يزيد الصراع تعقيداً أكثر فأكثر.

المجتمع الدولي وفي محاولة لحفظ ماء الوجه أراد أن ينسج ستاراً يوهم العالم من خلاله أنه يحاول وضع حد لهذه المعضلة التي بدأت تتفاقم فكانت بعثة جامعة الدول العربية بقيادة الفريق الركن محمد مصطفى الدابي كرئيس لبعثة مراقبي الجامعة العربية لتكون البداية بشخصية عسكرية استخباراتية ذات سجل دامي فكان الاستنكار هو جدار الرفض الذي قابل هذه البعثة ولاسيما من قبل بعض منظمات حقوق الانسان التي تعتبر الدابي ضالعا في الجرائم التي اُرتكبت في إقليم دارفور السوداني حيث عمل الرجل هناك لفترة طويلة ممثلاً عن الرئيس السوداني عمر البشير لإخماد بوادر التمرد عام ألف وتسع مئة وتسعة وتسعين فلم يكن من هذه البعثة بقيادة الجنرال الدابي إلا أن تغيب الحقائق وتزيفها لصالح الأسد ونظامه فكان لابد للجامعة العربية حتى تحفظ ماء وجهها أن تعلن انسحاب تلك البعثة لتدول القضية السورية وتحال تلك المحرقة إلى طاولة مجلس الامن الدولي.

من جديد يعود الملف السوري ليشغل الساسة الذين عجزوا عن فعل أي شيء يخمد النيران السورية فكانت البعثة الأممية بقيادة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان الذي لم يستطع أن يحدث اختراقاً وسط تزاحم النيران على الأرض السورية إلا لثلاثة أيام ومع ذلك تفاءل السوريون كثيراً بهذه البعثة إلا أنها لم تكن أفضل من سابقتها العربية لتنتهي باستقالة الرجل من منصبه معلناً عجزه عن إيجاد أي تقاطع يكون بوابة لنهاية الحرب السورية.

صراعٌ أخذ يوّلد الكثير من الأزمات السياسية ولاسيما بين القطبين الأكبر في العالم أمريكا وروسيا ومن هنا بدأت تتولد العقبات في طريق البحث عن مخرج ينهي الصراع فكانت الخطوة التالية إرسال الأخضر الابراهيمي كمبعوث خاص مهمته البحث عن تلك الثغرة التي تخرج الملف السوري من نفقه المظلم إلى سكة الحلول لكن وبعد الكثير من الجولات المكوكية من واشنطن إلى موسكو ومن الرياض إلى طهران مروراً بدمشق عاد الرجل خاوي الوفاض أيضاً دون أن يحرز أي تقدم يذكر إلى أن أعلن عجزه عن الاستمرار كشاهد على موتٍ راح يحصد أرواح السوريين فكان لابد من البحث عن بديل ليأتي النمساوي ستيفان دي مستورا ليكون رجل المرحلة الأخيرة قبل الانتقال إلى الخطة باء التي طالت.

دي مستورا وكالعادة بدأ أولى خطواته إلى دمشق محاولاً تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع ومعها بدأ البحث عن خيوط أمل قد تحرك المياه الراكدة بين واشنطن وموسكو إلا أن العقبات السياسية ومصالح كلا الدولتين كانت حجر عثرة في طريق دي مستورا فالقتل والتدمير ازداد حدة والموت لم يفارق بيوت السوريين إلى أن شق حصار مدينة حلب طريقه إلى المحافل الدولية جاعلاً الأنظار تتجه إلى تلك الرقعة من الأرض فكان لابد للروس والأمريكان البحث عن مخرج يتدارك انفجار الوضع أكثر من اللازم فكان الاتفاق الأمريكي الروسي هو الشغل الشاغل لساسة تلك الدول جاعلاً من المحافل السياسية مضماراً يتسابق فيه كل طرف ليلقي اللوم على الطرف الآخر محملاً إياه المسؤولية عن فشل الاتفاق الذي ينص على وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدن والمناطق المحاصرة.

جدارٌ صلب اصطدمت به كل المساعي الدولية فلم يعد هناك سوى التراشق بالاتهامات بين هذا الطرف وذاك ليخرج الحديث الأمريكي عن بدء التحضير للخطة باء مع قرب انتهاء ولاية الرئيس أوباما حيث كشف المحلل السياسي في شبكة السي إن إن الأمريكية عن خطة باء لواشنطن في سوريا لافتاً أن سبب تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا هو بسبب الملف السوري ولاسيما اختلاف أهداف الدولتين.

الكولونيل المتقاعد ريك فرانكونا عبر عن اعتقاده بأن خطة أمريكا البديلة ستكون التخلي عن محاولة الإطاحة بالأسد مشيراً إلى أن الأمريكيين والروس لم يعد لديهما أرضية مشتركة يستندان إليها في أي نوع من المحادثات لذا تأتي خطة واشنطن البديلة لتتمحور حول التخلي عن محاولة الإطاحة بالأسد والتركيز على القضاء على تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام الأمر الذي قد يشكل مخاضاً جديداً تعيشه الثورة السورية ولاسيما أن ولادة الحل لم تعد هي الهدف الأول لتحقيق مكاسب على الأرض. فهل تطول هذه الولادة ويستمر معها المخاض.؟