الأربعاء 2018/05/30

سوريا ..حين يرحل الشعب ويبقى الطاغية!

حلَّ الربيع العربي في سوريا ضيفاً غريب الملامح لا عهد للناس به إلا ما قرؤوه عن الثورات في كتب التاريخ وما رأوه على الشاشات في تونس ومصر وليبيا واليمن. هم قوم حُرّم عليهم التعاطي في السياسة منذ انقلاب حافظ الأسد واستيلائه على السلطة عام 1970.. فُتح له قمقم الكبت بعد 41 عاماً.. لم يعد اسم "الرئيس" بالنسبة إليهم رمزاً للتقديس والتعظيم والرهبة فقط.. نادت حناجرهم للمرة الأولى "الشعب يريد إسقاط النظام".

في واقع الأمر لم يكن ذلك الهتاف سوى صدًى لما ردده المصريون والليبيون واليمنيون.. وأمام ردة الفعل الدموية التي قابلهم بها نظامهم، لم يعد المطلوب إسقاطه فقط، فانتقلوا إلى الهُتاف الذي بات رمزاً لتمردهم على نواميس "جمهورية الخوف" .."يالله ارحل يا بشار".

لكثرة ما ذاق هذا الشعب من أكثر أنظمة الكون إجراماً وإرهاباً لم يكن مرادهم أن يُحاكَم بشار على ما فعله بسوريا هو وأبوه خلال عقود، بل أرادوا من هذا المجرم فقط أن يرحل ... أرادوا أن يأخذ ما يريد ويترك لهم بلادهم التي حوّلها آل الأسد إلى مزرعة يُستعبَد فيها الشعب ويُسبّح الجميع باسم "القائد المفدى" فقط.

تحوّل هتاف المطالبة برحيل "بشار الأسد" وزبانيته إلى كرة من النار تزداد اتساعاً كلما ولغ سفّاح الشام بدماء السوريين أكثر، حتى بات الرحيل رقماً أول لدى الثوار والمعارضين..لا يساومون عليه ولا يتنازلون.

دخلت معادلة "رحيل الأسد" مطابخ السياسة الدولية، وبات "الانتقال السياسي" بنداً من بنود القرارات الأممية حول سوريا، واختلفت تفسيرات الأميركيين والروس حيالها، ودخل الأمر في مستنقع الأسئلة والتفاصيل..هل يرحل بشار مع بدء الانتقال السياسي أم خلاله أم بعده؟ هل له دور في مرحلة الانتقال؟ وكيف سيكون شكل هذا الدور لو وجد؟ هل له مكان في مستقبل سوريا ؟ ..إلى آخر ما يشبه ذلك من أسئلة وغرق في تفاصيل لم تخطر على بال السوريين حين نادوا "ارحل".

اللافت أنه خلال السنوات السبع التي اختلف فيها مجلس الأمن ودوله العظمى والمؤتمرات الدولية في جنيف ولوزان وأستانا وسوتشي وفيينا، خلال تلك المرحلة كان بشار الأسد يمضي في حلّه العسكري، ويواصل معاقبة كل المدن التي ثارت عليه، وتهجير أهلها منها تحت وطأة الآلة العسكرية والحصار والتجويع.

نعم المجتمع الدولي بشكل مباشر أو غير مباشر ساعد بشار الأسد على تطبيق ما لم يكن يخطر في أبشع كوابيس السوريين، حيث بقي الأسد وطغمته إلى اليوم جزءاً من شكل سوريا، فيما غادر معظم الذين كانوا بالأمس يهتفون "ارحل يا بشار".. ترك نحو نصف سكان سوريا منازلهم تحت وطأة الحرب التي شنها بشار الأسد ضد الشعب، نحو 6 ملايين توزعوا في دول الجوار والشتات، وعدد النازحين داخل سوريا يقارب هذا الرقم أيضاً. للمأساة السورية فصول لا تنتهي وعجائب لا تنقضي.. ولعل العنوان اللافت فيها أن سوريا تشهد اليوم رحيل شعبها ..وبقاء الطاغية محميّاً بالقانون الدولي!