الأربعاء 2018/03/21

ريف دير الزور الشرقي.. الواقع والمستقبل

ريف دير الزور الشرقي.. وبعد تمكن النظام والمليشيات الموالية بدعم روسي من طرد تنظيم الدولة من القرى الواقعة على ضفة الفرات اليمنى، إضافة إلى سيطرة المليشيات الكردية على نحو 90% منه على الضفة اليسرى يعيش واقعاً أمنياً وخدمياً مريراً يسوده القتل والاعتقال ومنع المدنيين من العودة إلى منازلهم من قبل قوات النظام، وتحكم المليشيات الإيرانية وتفردها بالقرار في مناطق سيطرتها بمنطقة الشامية الواقعة بين ريف مدينتي البوكمال والميادين، بالإضافة إلى الهجمات الانغماسية وتفجير الملغمات من قبل تنظيم الدولة والمنفذة ضدّ النظام ومليشياته من جهة، وضد المليشيات الكردية الانفصالية من جهة أخرى، والتي يسقط فيها بمعظم الأحيان ضحايا مدنيون، ويضاف إلى ذلك أيضاً الاعتقالات بحق مدنيي منطقة الجزيرة بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة أو مناصرته.

التعفيش:

أحد أهم المظاهر التي شهدتها منطقة الشامية بريف ديرالزور الشرقي بعد سيطرة النظام ومليشياته عليها، حيث تقوم قوات النظام بعمليات التعفيش ( السرقة ) بمساعدة سماسرة وتجار من أبناء المنطقة، وتلجأ أحياناً إلى بيع المناطق "لتجار التعفيش" الذين يقومون بعمليات السرقة لممتلكات المدنيين ونقلها إلى مركز المدينة في حيّي الجورة والقصور، ونقل الأدوات الكهربائية على وجه الخصوص إلى باقي محافظات سوريا لبيعها بأسعار باهظة، كما ظهرت عمليات ما يعرف بـ"التنحيس" وهي عملية نزع الأسلاك الكهربائية من الشبكة العامة أو منازل المدنيين، ولكي تتم هذه العملية يتوجب حرق المنزل بالكامل، ونشر ناشطون صوراً وفيديوهات كثيرة تثبت عمليات "التعفيش والتنحيس" في المدينة وريفها  بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وهذا الأمر جعل المنطقة تبدو كمنطقة أشباح.

الاعتقالات والتجنيد الإجباري:

وهي كحكم بالإعدام على من تُلقي قوات النظام القبض عليه سواءٌ ساقته إلى جبهات القتال أو حكمت عليه بالسجن، فالمجندون يُرسَلون إلى أكثر الجبهات اشتعالاً ضد تنظيم الدولة أو ضد الثوار في الغوطة، وقُتِل الكثير منهم خلال المعارك الجارية في بادية دير الزور والغوطة، نتيجة زجِّهم في المعارك دون أي خبرة أو تدريب، أما المعتقلون في زنازين النظام فيتعرّضون للتعذيب الذي يؤدي إلى الموت في أغلب الأحيان، ويتعرض أهالي المعتقلين لعمليات ابتزاز وطلب مبالغ مالية باهظة لمعرفة مكان الاعتقال فقط، ومن ثم دفع مبالغ أخرى من أجل إخراجه من موت محتم.

ولعلّ الذل الذي تعرض له المدنيون في مخيمات النزوح أو ارتفاع أسعار الإيجار في بقية المحافظات السورية أجبرتهم على الموافقة على العودة المشروطة بتطويع أحد أبناء الأسرة الواحدة في صفوف قوات النظام ما جعل معظم العائدين يفكرون بالهروب من سجن كبير كان في يوم من الأيام مدينة أو قرية يسكنون فيها.

الواقع الخدمي المزري على ضفتي الفرات:

إذ يشتكي معظم العائدين إلى منازلهم سواء في منطقة الشامية أو الجزيرة من انعدام شبه تام للخدمات ولاسيما الماء والكهرباء، والتي تعتبر عصب الحياة في المدينة، في ظل استغلال تجار الحروب لغياب الرقابة والتحكم بأسعار المواد الغذائية.

أما التعليم.. فحتى هذه اللحظة يحاول الكثير من المتطوعين بالقيام بمبادرات فردية لإعادة تأهيل بعض المدارس التي تعاني من التدمير الجزئي أو الكلي في بعض الأحيان، إضافة إلى كون معظم المدارس هي مراكز إيواء للنازحين من باقي قرى وبلدات المحافظة، وغياب وانعدام أي دور للمليشيات الكردية التي تقع على عاتقها مسألة إعادة تأهيل هذه المنطقة التي سيطرت عليها مؤخراً، بينما يقوم النظام على ضفة الفرات اليمنى بمسرحيات تظهر أن التلاميذ قد عادوا إلى مدارسهم ويظهر أهم ما يريد وهو كما يعلم الجميع "هتاف التلاميذ بحياة بشار الأسد"، وبذلك يكون التلميذ قد عاد بعد سبع سنوات من الحرية الممزوجة بالدم إلى حظيرة الهتاف لبشار الأسد وحزب البعث.

مناطق سيطرة أطراف الصراع وتوزعها

ا- مناطق سيطرة النظام: وتتركز امتداداً من مدينة دير الزور باتجاه مدينة البوكمال على الحدود العراقية السورية في منطقة الشامية أي على الضفة اليمنى لنهر الفرات، ويشاركها في السيطرة أو ينافسها عليها تنظيم الدولة حيث يتمركز في البادية الجنوبية الشرقية لدير الزور، ويتخذ منها منطلقاً لعملياته الانغماسية ومعارك الكر والفر التي يريد من خلالها استنزاف النظام، ولا يتمركز التنظيم في منطقة حتى بعد ان يطرد النظام أو مليشياته منها، وذلك خوفاً من استهدافه جواً من مقاتلات الاحتلال الروسي او النظام، وقد حدث أن سيطر على قرى الدوير والجلاء والصالحية بريف البوكمال ولكن سرعان ما انسحب منها دون أي قتال ليعود إلى جيوبه في بادية دير الزور الجنوبية الشرقية.

ب- مناطق سيطرة تنظيم الدولة: كما ذكرنا سابقاً ففي منطقة الشامية لا تتجاوز مساحة سيطرة التنظيم مسافة كيلومترات معدودة ولكنها بمناطق متفرقة في جيوب صحراوية لا يمكن رصدها نتيجة التغيير المستمر بالإضافة إلى الخنادق التي قام

التنظيم بتجهيزها تحسباً لسيطرة كانت محتملة منذ انطلاق المعارك في الرقة والباب، ولكنَّ هذه المناطق تكبر شيئاً فشيئاً بعد الهجمات الأخيرة التي نفّذها التنظيم ضد مليشيات الأسد في ريف البوكمال.

أما في منطقة الجزيرة وهي مركز ثقل التنظيم في ريف دير الزور الشرقي فيسيطر على المنطقة الممتدة من مدينة هجين شرق دير الزور باتجاه الباغوز على الحدود العراقية السورية، أي ما يقارب مساحة 25 كيلو متراً على طول ساحل الفرات الشمالي، وتشهد هذه المنطقة اشتباكات عنيفة مع المليشيات الكردية  التي تريد استكمال سيطرتها على كامل قرى منطقة الجزيرة، وبالإضافة إلى ذلك يسيطر التنظيم على مساحة أخرى في البادية الممتدة بين الباغوز والبادية الشمالية الشرقية لمحافظة دير الزور، وصولاً إلى منطقة تل الشاير، والتي تعتبر مناطق انطلاق لعملياته ضد المليشيات الكردية بمنطقة الجزيرة، وتعرضت لأكثر من عملية إنزال من مقاتلات التحالف الدولي.

ج- مناطق سيطرة مليشيات "قسد": وتتركز في المنطقة الممتدة من بلدة جديد عكيدات إلى قرية البحرة المحاذية لمنطقة الشعيطات، إضافة إلى محيط معمل غاز الكونيكو وحقلي الجفرة والعزبة ببادية خشام، ويشهد محيط كونيكو هجمات متكررة من قوات النظام ومليشياته في محاولة منها لاستعادة السيطرة على أكبر معامل الغاز في سوريا لضمان إيقاف عمل حقل العمر المرتبط بالكونيكو ارتباطاً كلياً، بينما تحشّد القوات الأمريكية والمليشيات الكردية قواتها في هذه المنطقة تحسباً لأي هجوم، ولعل التحشيد الأخير الذي وصل إلى حقل كونيكو (والذي يحوي على جسور مائية وأسلحة متطورة جداً بينها راجمات صواريخ تشاهد في المنطقة لأول مرة حسب شهادات أهالي المنطقة)، يكشف هذا الهاجس.

مستقبل المنطقة:

إيران وأمريكا أبرز اللاعبين المتحكمين في المنطقة على عكس روسيا التي تلقّت صفعة قوية بمقتل أكثر من مئة جندي روسي من مرتزقة "فاغنر"، بقصف للتحالف الدولي بعد محاولتهم الوصول إلى حقل كونيكو، ولم تستطع روسيا حتى التصريح بمقتلهم واكتفت بالقول أن مواطنين متواجدين في المنطقة قتلوا.

ولعلّ موقع المحافظة أو بالأصحّ ريفها الشرقي بمال له من أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران حيث تعتبر همزة الوصل المكمّلة للهلال الشيعي، واقتصادية بالنسبة لأمريكا حيث تسبح تلك المنطقة على بحيرات من النفط لطالما جرّ الويلات على مدنيي ديرالزور عموماً قبل انطلاق الثورة السورية.

محللون ذهبوا للنظر بعين الريبة لتحركات تنظيم الدولة في البادية المقابلة لقرى ريف البوكمال في منطقة الشامية والخاضعة لسيطرة المليشيات الإيرانية، ما يهدد باستعادة التنظيم عافيته، وخاصة بعد سيطرته على محطة " تي تو " في بادية ديرالزور وتقدمه في بادية القورية واقترابه من مدينة الميادين، وعمليات القنص والاستهداف بالصواريخ في مدينة البوكمال، ورجّحوا أن تقوم الولايات المتحدة بتسيير المليشيات الكردية الانفصالية بعبور النهر والقضاء على التنظيم كون النظام ومليشياته فشلوا في القضاء عليه غرب الفرات حسب الاتفاق غير المعلن بين الروس والأمريكان، ما يجعل المنطقة الممتدة بين الميادين والبوكمال في الشامية حتى هذه اللحظة منطقة لم يحسم أمر السيطرة فيها بعد، ومجريات الأمور وتطورات السياسة الأمريكية تجاه إيران تجعل من السهل أن تضرب المصالح التي جنتها من خلال إكمال الهلال الشيعي ولتخرج إيران من حرب قدمت فيها القتلى والمال لتخرج صفر اليدين، وليكتفي بوتين بما حصل عليه من امتيازات احتلال لقواعده البحرية في طرطوس وحميميم، وترك حسم الأمور في ريف ديرالزور الشرقي بين أطراف الصراع المتمثلة بإيران والنظام وتنظيم الدولة.