الجمعة 2018/07/20

روسيا وتحويل المعارضين إلى موالين.. الأسباب والمآلات

محاولة روسيا تحويل المعارض إلى موالٍ في سوريا ظهر في كثير من المواقع التي أرادت فيها فرض تسوية مع نظام الأسد ملوحةً بالعصا تارة وبالجزرة تارة أخرى، أما العصا فأكثر ما تجلت حينما هدد الوفد الروسي فصائل الجنوب السوري أثناء جولات التفاوض قبل أيام، حينما قال لهم "لا تذهبوا إلى إدلب المحرقة القادمة فيها ابقوا هنا في الجنوب" ، بمعنى آخر انضموا في صفوف مليشيات النظام كي تأمنوا على أنفسكم . في محاولة منها لزج أكبر قدر ممكن ممن كان في وقت سابق يقاتل الأسد إلى أن يكون عنصراً يُقاتل ضدَّ من يقاتلُ الأسد، وأما الجزرة فحينما منحت المدعو "أحمد العودة" (وهو من كان يقود أحد أكبر فصائل درعا) منصبَ قيادي رفيع في مليشيات ما يسمى "الفيلق الخامس" وقالت بعض الأوساط الموالية للأسد إنه كُلِفَ بقيادته رسمياً في الجنوب.

صحيح أن اتفاق الانضمام لمليشيات الأسد في الجنوب لم يحظَ بموافقة جميع المقاتلين، لكنه حظي في الواقع بموافقة البعض منهم، هذا ما شهدناه أيضاً في مناطق أخرى بسوريا مثل فصيل "جيش التوحيد" في شمال حمص وفصيل آخر في الغوطة الشرقية وعناصر وقادة في مناطق بالغوطة الغربية والقلمون الغربي، وتمكّنَ الاحتلال الروسي بالفعل من ضم عدد من هؤلاء المقاتلين إلى صفوف مليشيات النظام.

في واقع الحال تغييرُ انتماء المقاتل وفكره الحاضري والمستقبلي بهذه الصورة السريعة لم يكن مستخدَماً من قبل موسكو في الحرب بسوريا وحدها فحسب، بل إنها سبق وأن استخدمتها في حربها الدامية بالشيشان قبل نحو عقدين، حينما حاولت قتلت الجهاد الشيشاني ضدها بعدما كبدها الكثير من الخسائر، وحوّلت في 2003 أحد أبرز قيادات الاستقلاليين الشيشانيين أحمد قاديروف من مقاتل ضدها إلى موال لها، ليقتلَ بذلك فكرة استقلال الشيشان عن جمهورية روسيا الاتحادية ، ثم ما لبث أن تم اغتيالُ العائد إلى الحضن الروسي من قبل الثوار الشيشانيين في العام 2004، وهذا ما استشاط غضب بوتين فقام بتعيين قاديروف الابن في منصب النائب الأول للقائم بأعمال الرئيس الشيشاني، ثم عينه في 2006 رئيساً للحكومة الشيشانية، ثم عينه رئيساً للبلاد في 2007، ليوطد بذلك الهيمنة الروسية على الشيشان ويجعلها تحت الوصاية من خلال قاديروف الابن الذي يوصف بأنه "طفل بوتين المدلل" ويقول عن نفسه إنه يقدم حياته فداءً لبوتين وللدولة الروسية، وبالطبع فإن سجل القاديروفي الخائن هذا مليء بنقاط سوداء لتصفية معارضين وقمع أي صوت استقلالي وعمليات اغتصاب وخطف وتعذيب، وإن ظهر في بعض الأحيان بمظهر الرجل الإسلامي المحافظ.

بالنسبة للوضع في سوريا فإنه يقارب الوضع في الشيشان إلى حدٍ ما فيما يخص المصالحات الهادفة إلى تكريس الاستقرار وتعزيز الهيمنة الروسية مع مراعاة الفرق بين وضع بشار الأسد ووضع أحمد قاديروف من حيث المكان وشكل الوضع الذي جاء به إلى الحكم.

ما تريده روسيا من خلال هذه الخطوة يتركز أولاً في عدم رغبتها بخسارة جندي واحد لها في أرض المعركة ، بل إنها تريد السيطرة على الأرض بأقل الخسائر، وفي هذه طريقتها تلك كسب أرض إلى جانب عنصر بشري وعتاد ثقيل كما ظهر في الجنوب والقلمون والشمال الحمصي.

ثم لاشك أنّ روسيا تسعى من خلال فرض المصالحات في سوريا إلى خلق واقع جديد في سوريا يتمثل بمحاولة إعادة جيش النظام إلى الواقع والهيكلية التي كان عليها قبل عام 2011 من دون الاعتماد على المليشيات الإيرانية ، أي إن روسيا تريد أن تؤسس جيشاً لا يوالي إيران ، بل يدين بالولاء لها خاصة مع الواقعية الجديدة التي يُراد فرضها بسوريا وتقوم على الاعتراف بالنظام في مقابل تطهير سوريا من الوجود الإيراني، ومن جهة أخرى تريد روسيا من خلال هذه الخطوة إعطاء صبغة عامة أنه لا توجد ثورة فعلية في سوريا بل "عداء وخلاف عابر" بين نظام ومعارضة، والإيحاء بوجود نظام يقبل الجميع ويسعى للاستقرار من خلال قبوله انضمامَ من كان في وقت سابق يقاتله، فضلاً عن محاولتها بعث رسائل تخويف إلى من لا يزال يحمل سلاحه ضد الأسد.

لكن ربما ما لم تحسب له روسيا حساب أن الوضع في سوريا يختلف كثيراً عن الوضع في الشيشان، ذلك لأن فكرة مقارعة الاسد والاحتلالات الخارجية لسوريا لا تزال حاضرة في قلوب كثير من السوريين رغم المجازر الوحشية التي تعرضوا لها والتآمر الدولي على قضيتهم المشروعة على خلاف الوضع في الشيشان بعد ان صفّت معظم القادة الاستقلاليين، ونصّبت زعيماً يسبح ويمجّد باسم بوتين، لذلك فإن خطوة دمج المعارض مع الموالي في سوريا سيترتب عليها آثار لا تتسق والتفكير الروسي للحل القادم .

مركز "نورس للدراسات" نشر قبل أيام خبراً قال فيه "إن وفداً من الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد دخل بلدات اليادودة وطفس ومزيريب التي عقدت اتفاقات تسوية بريف درعا الغربي، وطلب من الشباب هناك الالتحاق بالفرقة الرابعة فقط، وحذرهم من الانضمام للفيلق الخامس، لأنه عدو"، لاشك أن هذا يدلل على أن هناك نية مكبوتة الآن لدى مليشيات الأسد بخلط أوراق ما تخطط روسيا لفرضه على نظام الأسد، ويُظهِرُ ذلك أن عناصر المليشيات الأسدية لن تقبل أن تنام في غرفةٍ واحدة أو أن تكون في كتيبة واحدة مع عناصر قَتلوا في وقت سابق أحدَ ذويهم أو رفاقهم في معركة من المعارك التي دارت في سوريا، ما سيدفعهم إلى التحقين وشن حرب اغتيالات صامتة أو حتى غير صامتة ، حيث جرت عدة حالات تصفية علنية و اعتقالات لعدد ممن وقع اتفاقات مصالحة مع نظام الأسد لكن على نطاق ضيق تمهيداً للانفجار الأكبر بعد ركود وتيرة المعارك بسوريا.

أما فيما يخص خطوة الدمج بالنسبة لمن قام بالتسوية فإنه يبدو الخاسر الأكبر، فمن جهةٍ أولى الثورة لم تخسره أساساً ولم يشكل عاملاً سلبياً لها على المدى البعيد بل على العكس هو عامل إيجابي، فمن يقوم بمثل تلك الأفعال يكشف إما أنه دخل مندساً فبان شرُهُ وانتهى، أو أنه دخل يبحث عن مصلحة شخصية، ما يعني أنه يفتقد بالأصل لمشروع سوريا الحرية وأنه وأمثاله ليسوا سوى إمّعات يميلون إلى الكفة الأثقل فإن نضبت انفضوا عنها إلى كفة أخرى أثقل وزناً.

من جهة أخرى.. الجميع يحاول أن يستغل من قام بالتسوية لتحقيق مآربه ثم يرمي به في نهاية المطاف إلى مصير مخز، فمن ناحية؛ روسيا تريد أن تستخدمه لتعزيز شرعية النظام دولياً وتقوية جيشه محلياً ولجعله في واجهة المعارك ضد المناطق الأخرى في حال حصلت هجمات في مناطق سورية التي لا تزال خارجة عن سيطرة مليشيات بشار ، ومن ناحية ثانية بشار الأسد يريد استخدامهم بوسائل إعلامه ليقول للناس انظروا كيف أذعن المعارضون لي وتعالوا يا بقية المعارضين فمصيركم في النهاية مشؤوم إن لم تعودوا كما عاد هذا، كذلك فإن الأسد يريد استخدامهم في المعارك القادمة لتهدئة غضب مناطق الساحل بعد مقتل الكثيرين من أبناء الطائفة العلوية في المعارك بسوريا، ثم إن بشار لا يستطيع أن يقول لروسيا إنه لا يرغب بضم مثل هؤلاء الذين وصفهم في وقت سابق بالإرهابيين إلى صفوف جيشه، لذا فإنه يريد أن يقول لروسيا امضِ في مشروعك الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تنصيبي حاكماً شرعياً.

من ناحية ثالثة فإن المصالحين في بعض الأوقات يشكلون عبئاً على النظام، فمنهم من تجده ندم على فعلته التي فعلها لما يرى فيها من خيانة لا يمكن تبريرُها، فتجد أنه ورغم أنه انقلب على الثورة عاد إليها في وقتٍ لم يحسب له النظام حساباً . هذا ما ظهر في معارك مدينة حرستا حينما حقق الثوار تقدماً محلوظاً في منطقة إدارة المركبات العسكرية قبل شهور بعد أن حصل انشقاق من قبل العناصر المصالحة، وهذا ما شكل وقتها غضباً كبيراً في الأوساط الموالية لنظام الأسد.

خلاصة القول إن مشروع روسيا بتحويل المعارضين إلى موالين مشروع فاشل وإن أظهر بعض النجاح في بعض المواقع السورية، ذلك لأن الوضع السوري يختلف عن الشيشاني كثيراً ، سواء من جهة التشكيلات العسكرية أو الناحية المجتمعية، فالنظام الطائفي القائم على القتل والتخويف والرعب وسجن أصحاب الكلمة لن يقبل مطلقاً في مجتمعه "المتجانس" وجود عناصر وصفهم في وقت قريب بالإرهابيين في صفوف جيشه.. ثم فإن موجة الحقد الدفين والانتقادات لدى شبيحة الأسد طالت المصالحين السياسيين فكيف يمكن لها أن تَكِنَّ وتستكين مع المصالحين العسكريين ؟ !