الأحد 2017/05/28

روسيا حصان طروادة نظام الأسد

ورقة خبيثة جديدة تخرجها روسيا عراب نظام الأسد من جعبتها المليئة بالمكر السياسي، والدهاء الدموي، الذي مارسته بحق الشعب السوري منذ تدخلها الجوي أواخر أيلول 2015 لإنعاش النظام وإخراجه من غرفة العناية المركزة، التي أدخله الثوار فيها، وكشفوا مدى ترهل قواته، وضعف بنيته العسكرية بعد خمسة عقود من التخفي وراء قناع "المقاومة والممانعة" التي أظهرت الثورة السورية أنها عنترية أسدية فارغة تهاوت أمام ثورة شعبية بدأت سلمية، ثم لم تر في حمل السلاح بدا لنيل الحرية والكرامة.

روسيا استثمرت كثيرا من اللعب السياسية لإنقاذ نظام الأسد من السقوط، كان آخرها اقتراح إنشاء مناطق لخفض التصعيد في البلاد، ونجحت في توقيع مذكرتها خلال اجتماع أستانا 4 مع تركيا وإيران، يوم 4 أيار 2017.

الورقة الخبيثة التي ذكرت آنفا، هي ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله إنه يجب إجراء مشاورات مع نظام الأسد حول تحديد الدول التي ستشارك في الرقابة على مناطق تخفيف التوتر .

تصريحات موسكو هذه تبعث برسالة مفادها أن نطام الأسد سيساهم بشكل أو بآخر في اختيار هذه الدول على أساس صديق أم عدو بالنسبة له، وكذلك تمكين النظام بهذه الخطوة من تنفيذ أجنداته المستقبلية ضد فصائل المعارضة المتواجدة في تلك المناطق، من عمليات تفكيك تحالفات الفصائل الداخلية، واغتيال لقادة تلك الفصائل، وإذكاء التناحر فيما بينها لإضعافها على المدى الطويل، كي تكون لقمة سائغة له، وخاصة أن ترسيم حدود تلك المناطق وضرب أسلاك شائكة حولها تجعلها في سجن كبير يراقب النظام كل ما يجري فيها، ويحسب نقاط القوة والضعف في المقاتلين البالغ عددهم حسب إحصائية روسية قرا بة 44 ألف مقاتل.

الخطوة الروسية الجديدة هي استراتيجية تسعى من خلالها لتسويق النظام على أنه شرعي، ويمتلك أحد مفاتيح العملية السياسية في سوريا التي يراهن المجتمع الدولي على نجاحها بعيدا عن الحسم العسكري بين المعارضة السورية والنظام، وكذلك حرف أنظار بعض الدول عن الكف عن محاولاتهم لجر النظام إلى المحاكم الدولية من خلال إثبات تورطه بمجازر كيماوية بحق المدنيين، أو التحقيقات حول وجود محرقة لمعتقلين في سجن صيدنايا العسكري.

أما المناورات الخطيرة التي تحرك موسكو خيوطها بحرفية تامة، لتقديم نظام الأسد كجزء من أي مشروع يضع حدا للإرهاب في سوريا هو حرفها لمسار جنيف وأخواتها عن مناقشة الانتقال السياسي، وإدخالها بند مكافحة الإهارب ضمن السلال الأربع على طاولة المفاوضات، وهو البند الفضفاض وغير المعروف رأسه من قدميه، وهنا مربط الفرس، الذي يجعل النظام بمأمن عن أي تصنيف يضع الأسد في خانة الإرهاب لا بل ويساوي بين الجلاد والضحية.

كل تلك المماطلة الروسية سرعان ما تظهر نتائجها على الأرض سواء من تهجير مزيد من المدنيين، أو إحراز قوات النظام تقدما جديدا على خارطة المعركة العسكرية، ما يعطي تجميلا للنظام يسهل تقبله من قبل المجتمع الدولي.
أمام ما يتكشف كل يوم من استماتة روسيا لإعادة تدوير النظام، وتحولها إلى حصان طروادة للنظام، ورسمها الخطط لتمكينه من ابتلاع آخر معاقل الثوار بعد حصرهم في تلك المناطق، وتقرير مصيرهم إما كرها عبر سياسة الاستنزاف وخاصة العسكرية، أو طوعا بالاستسلام المحتم، إن لم تتنبه تلك الفصائل لما يحاك ضد في أروقة الكرملين.

من هنا تأتي الضرورة الملحة لالتقاء خطي المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، لتفويت الفرصة على روسيا من حيث اشتراطها التنسيق مع نظام الأسد لنشر مراقبين دوليين على تلك المناطق، وذلك عبر إعلان توحيد القوى العسكرية تحت جيش واحد، وقيادة واحد، تقطع الطريق مسبقا على محاولة موسكو لاستمالة بعض الفصائل وزجها في معارك لا قبل لها بها، وإدراك المعارضة السياسية أنها دخلت في الوقت بدل الضائع، وآن لها أن تجترح تحالفا سياسيا يفشل مشروع احتلال روسيا لسوريا التي تعرت أدواته على الأرض، وبات الدب الروسي يأمر وينهى، ويقرر نيابة عن السوريين، وخاصة بعد أن عزمت مو كو على فرض دستورها المخترع في سوريا، وبدأت بالترويج له في المحافل الدولية.