السبت 2016/11/19

دچَّة.. بشارع التكايا

أذكر حتى هذه اللحظة (أم حسن) رحمها الله التي سجن المقبور ابناً لها في أحداث الثمانين. لا لشيء ِفقط لأنه كان يمشي أثناء حرق المؤسسة في دير الزور؛ فكانت تهمته السير في شوارع الدير.

كان على المواطن أن يتحسّس ساعة الثورة ولا يسير على الطريق، وكان عليه أن يسمع ما يجول في قلب كل شخص ،لعلّه يكنُّ حقداً أو كرهاً لحافظ الأسد ويكتشف النظام ما يدور في خلده، ويعتبر كل من رافقه وماشاه مشاركاً في جريمة الكفر بحافظ الأسد وبعثه. 

كثير من التلاميذ في الصف لكثرة التمجيد والتعظيم والتهويل أصبحوا عندما يقول المعلم كلمة الرفيق المناضل حافظ الأسد يردّدون بعفوية (صلى الله عليه وسلم) ،وكانت مواضيع التعبير تمتلئ بأقوال الرئيس المقبور كشواهد على أي شيء حتى عندما تكتب عن الزبالة كان عليك أن تتحدث عن حافظ الأسد ،وتأتي بأحد أقوله ولا أنسى ما حييت أن أحدهم كتب: قال الرئيس المناضل حافظ الأسد: (النظافة من الإيمان)

جعل نظام المخابرات من الخوف وسيلة لتعظيم وتأليه حافظ الأسد؛ فكان الحديث ولو سراً يوقعك في سجن لن تخرج منه إلا جثة في مقابر الأسد الجماعية، أو مجنوناً كما خرج كثيرون من سجون المخابرات. 

الجينات الوراثية لا يتدخّل فيها إلا خالقها ... ولكنّ المخابرات السورية أرادت وكانت قادرة على حقن بشار الأسد بما كان عليه أبوه، ويحيطون الولد بمثل ما أحاطوا به الوالد من حفاوة أمنية؛ دفعت أحدهم ليقول وسط مجلس الشعب المنتخب زوراً وبهتاناً من الشعب السوري :(لا يجب أن تحكم سورية يا سيادة الرئيس.. قليل عليك أن تحكم العالم)  

ذلك الولد الذي دمّر سوريا وهجّر أهلها كان قليلاً عليه أن يحكم العالم؛ ليعرفوا ما جرى في ثمانينيات القرن المنصرم في فترة حكم أبيه، وما يجري الآن في سوريا من ذبح وسلخ وحرق وموت ودمار ... لم يعد وصف دولة أو جمهورية لائقاً بسورية بعد كل الذي جرى فهي أقرب إلى المسلخ، الذي لا يؤثر بأحد من جزاريه لون الدم أو ذبح الأحياء دونما شفقة أو رحمة .

ماذا دهاني؟! ولماذا ذهبت بالحديث إلى هناك ؟... أعود معكم إلى أم حسن رحمها ... كانت قد نذرت أن تشطف رصيف الحارة المقابل لبيتها أمام مدرسة مصطفى الأمين بشارع التكايا بدير الزور.. إلى أن يطلق سراح ابنها من سجن تدمر ... 

ماتت ... لم يطلق سراح ابنها ... تمّ تدمير سجن تدمر ... تمّ تدمير بيتها بعد أن ماتت...  لم تكن هي الأم الوحيدة ... هناك نسخ كثيرة من (أم حسن) لم تتح لذاكرة أحدهم أن تنسخها على الورق .