الثلاثاء 2017/09/19

دمية بلا ذراع

كان ياما كان .. في هذا العصر والأوان .. محافظة منسية يسمونها "دير الزور"، أطفالها حلموا أن يصبحوا أحراراً، قد كان ما كان...

لم يفارق هدير الطائرات أذن من يسكن هناك، حيث الموت الذي يبتلع المدنيين كصحراء متحركة لا نجاة منها .. شرق سوريا.. في تلك المحافظة المنكوبة، مجازر متوالية لم تتوقف منذ أن قرر العالم محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة.

يطالع "عقبة" أخبار مدينته عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي، حاله كحال كل المهجرين قسرا بفعل قصف الاحتلال الروسي والتحالف الدولي وقوات النظام. فجأة.. رأى قلبه مبتور الذراع مدمي العينين على إحدى صفحات الثورة .. عادت به الذاكرة إلى ذلك اليوم الذي فارق فيه زوجته وابنته وهرب في ليل بهيم للعلاج خارج مناطق سيطرة التنظيم.

كانت صورة الطفلة مبتورة الذراع بفعل قصف الاحتلال الروسي على مدينة الميادين تعود لابنته مها .. التي ترجته أن يأخذها معه لكنه خاف أن يقتلها لغم أثناء هروبه.

غادر ليلا وعيونه تحاول احتضان كل ركن من مدينته، لم يستطع أن يحمل معه تذكاراً سوى ما التقطته عيناه من صور لابنته وزوجته وبقايا مدينته التي دمر القصف -ولايزال- معظم مبانيها.

غاب الأب عن أسرته لكن طائرات الحقد لم تفارق سماء مدينته، لتزيد من أعداد القتلى والمصابين المشوهين.

لم يكن ذلك الصباح كغيره من الصباحات الممزوجة برائحة البارود، ولم تسمع "أم مها" هدير الطائرات التي اعتادت على سماعها، فأخذت تمشط شعر ابنتها، وتغني لها عن مدينة دير الزور، التي هُجِّرت منها قسرا، خفت صوتها وغاب، لأن طائرة أغارت على بيتها، ولم تصحُ سوى في غرفة على هيئة مشفى ميداني، ولم تجد ابنتها بجانبها، فقد تعرضت الطفلة لإصابة استدعت بتر ذراعها وهذا ما كان فعلا.

بكت مها كثيرا.. ليس ألماً .. بل لأنها أصبحت تشبه دميتها مبتورة الذراع أيضا، وكم حاولت قبل ذلك اليوم أن تضع لها ذراعاً من خشب مرة ومن قماش مرة اخرى، لكن دون جدوى فقد كانت الذراع الصناعية تسقط سريعاً.

التقط أحد إعلاميي التنظيم صورة لها مع ضحايا القصف في ذلك اليوم، فطارت صورتها لتحط أمام عيني والدها الذي لا يعرف شيئا عنها حتى اللحظة، ناشد من يعرف أي شيء عنها أن يخبره، عساه يصل إليها، أو تصل إليه، كي يحملها إلى بلاد لا تقطع طائرات الحقد فيها أذرع الدمى.

اختصرت "مها" قصة محافظة بأسرها، بعد أن تناقلت وسائل الإعلام صورتها، ولكن هناك ألف قصة لم تخرج إلى العلن، حيث اندثرت مع أصحابها تحت أنقاض القصف والغارات.