الثلاثاء 2018/12/04

دمشق “الأمويين”.. كيف ستتحول بعد هيمنة “الخمينيين”؟

أثارت المشاهد التي تُنشر مؤخّراً في دمشق وريفها الحزنَ لدى الكثير من الأهالي الدمشقيين المهجَّرين في الشمال السوري، وهم يرون بيوتهم يدمّرها النظام أمام أعين الجميع وسط شماتةٍ من قبل مليشياته، وتوعُّدٍ كذلك بمزيدٍ من عمليات المسح والسحق لكل حيٍ خرج في الثورة السورية، كإجراء عقابي لسكانه وقطع أي طريق لعودتهم في المستقبل.

لاشك أن عمليات الهدم الحالية يريد من خلالها النظام الحصولَ على عدة أهداف في آن واحد، أبرزها سلب الأملاك ومنع اللاجئين السنّة من العودة لمنع تشكُّل خطر جديد في المستقبل، يمكنُ أن يؤدي إلى احتجاجات واسعة تتطور إلى صراع مسلح قد لا يكون قادراً على احتوائه مرة أخرى، كما إن النظام يريد من خلال عمليات الهدم طمس جرائم الكيماوي وغيرها من الجرائم التي ارتكبها، فتلك هي نتيجة حتمية لعمليات النظام الحالية في الغوطة ومحيطها لمحو أي دليل يثبت ارتكابه جرائم في حال جرى تحقيق دولي في المستقبل عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا وخاصة الكيماوية.

سنة مهمّشون وشيعة متسلّطون:

قوات النظام ومليشياتها سيطرت على كامل دمشق وريفها منذ نحو 6 أشهر، بعد معارك شرسة شهدت حملة دامية ضد المدنيين وهجمات بالأسلحة الكيماوية قبل أن تنتهي باتفاقٍ تم من خلاله تهجير الأهالي إلى الشمال السوري، لكن روسيا عملت على إبقاء الكثيرين وأعطتهم وعوداً بالأمان، فبقي الآلاف في مراكز الإيواء في الغوطة؛ الكثير منهم لا يزال محتجزاً حتى الآن، وحتى من خرج من الإيواء لا يعيش حياته الطبيعية كما ينبغي.

"زياد" يقول عن أحد أقاربه في الغوطة "إنه يعيش في سجن كبير، فالنظام يفرض قيوداً على خروج الأهالي في مراكز الإيواء، وسط حديثٍ يدور عن نيته تجنيدَ الكثير من الشبان، كما سُجلت عدة حالات اعتقال من مراكز الاحتجاز تلك، وسط ظروف متردية في جميع المناطق التي احتلتها مليشيات النظام في الغوطة".

دمشق.. بغداد أخرى؟

عمليات إزالة المباني التي تجري الآن في دمشق ومع ذكر بعض أسبابها وإغفال أخرى، إلا أن نتائجها تبقى واحدة لتعطي صورة عن دمشق الجديدة التي يريدها النظام، والتي قد لا تختلف كثيراً عن صورة بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث بات القرار شيعياً بامتياز وطمست إيران ومليشياتها المكوّن السنّي في تلك المدينة العريقة التي تعدّ من أبرز المدن العربية على مرّ التاريخ، فهي مدينة العلم والعلماء والخلافة الإسلامية، لكنك اليوم لا تجد فيها إلا صورةً عن مدن قم وتبريز وغيرها، وعلى هذا المنوال يبدو أن دمشق ستكون في يوم من الأيام، إن بقيت يد إيران طويلة ولم يسعَ أحد إلى قطعها.

يدعم ذلك ممارسات النظام بعمليات سلب الأملاك ومنع اللاجئين من العودة والتضييق على الأهالي واعتقال كل من يفكّر بمعارضة النظام، والأكبر من ذلك هو تجنيس الإيرانيين الذي صار أمراً واقعاً، وقد كشفت وثائقُ مسرَبةٌ عن "المخابرات العامة" نيةَ النظام تجنيس المئات من مقاتلي المليشيات الإيرانية في سوريا، الأمر الذي يزيد من حجم النفوذ الإيراني في سوريا، ويجعل لطهران كلمة مُطاعة.

عن هذا الموضوع يقول المحلّل السياسي والكاتب الصحفي الأستاذ "بسام جعارة" في حديث خاص مع قناة الجسر "إن مخطط تهجير السنة مخطط قديم وخاصة بدمشق، و"رفعت الأسد" جاء بالعلوية من الساحل بالآلاف وسكنوا تلال قدسَيّا وعش الورور في بداية الـ 86، وكان من الواضح أن هذه المستوطَنات كانت مجهزة لحصار دمشق".

ويضيف "بسام جعارة" أنه "يتم الآن منح عشرات الآلاف من المرتزقة الجنسية للاستيطان في "زنار" دمشق وهي (المزة بساتين - القابون - برزة ومناطق أخرى)، وعلى الطرف المقابل هناك مليشيا حزب الله تستوطن في الزبداني والمناطق المجاورة لها، ويضاف إلى ذلك مستوطَنة منطقة السيدة زينب التي تضم الآلاف من المرتزقة، كل ذلك بهدف إقامة "زنار" أو "سور طائفي" حول مدينة دمشق، بمعنى أن أهل دمشق إذا حاولوا التحرك سيواجههم هؤلاء".

وفي واقع الحال فإن مشاريع إيران الاستيطانية لا تقتصر على دمشق فهي تسعى لنقلها إلى أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية، لكنها تجد في دمشق المكان الأهم لنشر التشيع، وقد باتت دمشق أرضية خصبة لهؤلاء خاصة بعد قمع الثورة هناك، وشاهدنا في الآونة الأخيرة تطاول الشيعة إلى حد كبير ضد الإرث الأموي في المنطقة، كذلك تطاول أحد الشيعة وصوَّرَ نفسه وهو يبصق على قبر الخليفة الأموي الصحابي الجليل معاوية بن أي سفيان، وبغض النظر عن صحة وجود جثمان الصحابي رضي الله عنه من عدمه، فإن ذلك الفعل يكشف المدى الذي صارت إيران تصل له ولا أحد يستطيع ردعها.

هل يتخلى الأسد عن إيران؟

خلال الآونة الأخيرة وخاصة بعد ضعف الثورة السورية وانحسارها، دارت أنباءٌ عن نية دول خليجية في مقدمتها السعودية والإمارات تمويلَ إعادة الإعمار في سوريا مقابل تخلّي الأسد عن إيران، لكن الأسد رفض تلك العروض، ما يكشف أن العلاقة بين النظامين لا يمكن أن تتصدّع، إذ إن الأسد متمسّكٌ إلى حدّ كبير بإيران ومليشياتها، لكن على الطرف المقابل فإن هناك من يعتقد بأنه من الممكن تخلّي الأسد عن إيران.

من هؤلاء ضيفنا "بسام جعارة" الذي يقول "إن الاستيطان لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فالاحتلال الروسي الإيراني لسوريا هو احتلال مؤقت، والتحالف الروسي الإيراني يمكن أن ينهار في أي لحظة إذا كان هناك توافق روسي أمريكي، ويضيف جعارة "أن روسيا لا تستطيع الاستغناء عن المليشيات الإيرانية وتوابعها، والإيرانيون لا يستطيعون فعل أي شيء بدون روسيا، وبشار هو الآخر لا يستطيع حتى أن يساوم على الوجود الإيراني، فهو يعرف تماماً أنه إذا طَلبَ من إيران الخروج مقابل صفقة تضمن له البقاء فإنه سيتعرض لاستهداف من الإيرانيين، لكن عندما يتم الاتفاق بين روسيا وأمريكا سيتم على حساب إيران، وحتى روسيا عندما تنتهي حاجتها من المليشيات الإيرانية ستطلب رحيلها فوراً"، كما يؤكد "جعارة" أن العلويين لا توجد لهم أي مصلحة في بقاء الإيرانيين، فالإيرانيون يكفّرونهم، كما لا يوجد أي قواسم مشتركة بين النظامين" بحسب رأيه.

أياً تكن الآراء حول ردة فعل الأسد مع طلب رحيل إيران فإن ما يُكرّسَ الآن على أرض الواقع يشكل خطراً حقيقياً على المكون العربي السني في دمشق وعموم سوريا، خاصة مع نشر إيران حوزات وافتتاحها جامعات جديدة تنشر فكرة تصدير ثورة الخميني، وقد لا تؤثر العقوبات الأمريكية كثيراً على إيران خاصة أن المتضرر الأكثر منها هو الشعب وليس الحكومة، يضاف إلى ذلك اعتماد طهران على موارد أخرى لتمويل المليشيات، مثل المخدرات التي تعتمد عليها مليشيا حزب الله كثيراً في التمويل ولها نشاط واسع في أمريكا الجنوبية نقلته حديثاً إلى سوريا، كما إن انشغال من يفترض أنهم أعداء إيران ( السعودية وأمريكا) بالشمال الشرقي لسوريا ومحاولة دعم "ب ي د" لضرب تركيا من حديقتها الخلفية، سيتيح لإيران أريحية أكثر في نشر ما تريد، وتحويل دمشق "الأمويين" إلى دمشق "الخمينيين".