الأحد 2018/03/18

دبي.. قبل الموت وبعد الجنون

في الآونة الأخيرة، بدأت دولة الإمارات العربية تكشِّر عن أنيابها بشكل واضح للعيان، وتتعالى على دول وشعوب المنطقة بشكل مستفز أكثر من كونه لافتاً، فأي مصيبة تصيب دول وشعوب الشرق الأوسط فستجد دولة الإمارات حاضرة هناك.

وكما يبدو، فإن الأرز الإماراتي -إن صح التعبير- أثبت نجاعته في قلب وتغيير الموازين في المنطقة، الأكثر من ذلك سعيها إلى فرض أجندتها وهيمنتها على دول ذات ثقل وباع سياسي عريق في المنطقة، ولكن ما سر هذا التعالي؟! ولماذا في هذه الآونة بالذات، حيث تمر الأمة العربية بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي؟ إلامَ تسعى دولة الإمارات من وراء نشر الفوضى والتخلف في المنطقة؟

وحتى نتمكن من فهم هذا الجنون والاندفاع الإماراتي، علينا أن نمر على دبي، لؤلؤة الخليج العربي التي تتعالى ولا يُتعالى عليها، هذه المدينة الصغيرة التي خلال فترة قياسية قصيرة أصبحت مدينة المال والأعمال في الشرق الأوسط، مستفيدةً من موقعها الاستراتيجي وثورة النفط في الخليج العربي، فيكفينا زيارة واحدة لها حتى نتيقن أننا في مدينة متعددة الثقافات والجنسيات والأعراق، فقد أصبحت بحقٍ، واحة غنّاء وسط الصحراء بلا منازع.

ولكن، مع هبوب رياح الربيع العربي على منطقتنا العربية، وارتفاع الأصوات المنادية بالإصلاح والتغيير، بالإضافة إلى ظهور تيارات وحركات تطرح نفسها بديلاً للأنظمة القديمة، بدأت الإمارات العربية تستشعر أن عزَّها ومجدها سوف يتآكل مع الوقت، وستصبح -حسب التقارير الغربية- مدينة أشباح لا تزورها سوى عواصف الغبار التائهة وسط الصحراء.

فلم تمرَّ عدة سنوات على ثورات الربيع العربي حتى بدأت الإمارات تضخ أجود أنواع الأرز لديها؛ لدعم الثورة المضادة في الدول التي زارها الربيع العربي، وفعلاً بدأنا نشهد خريفاً عربياً قاتماً حالك السواد مع عودة الأنظمة القديمة بالتدريج في مصر وتونس وغيرهما، هذا غير الدول التي غرقت في حرب أهلية لا نهاية لها في المنظور القريب.

قد نتمكن من تفهُّم الدور الإماراتي في مساعيه لإقصاء تيار الإسلام السياسي؛ لاختلاف الرؤى والمصالح والأجندة وغيرها، أما عندما يكون الأمر مرتبطاً بدبي، فهذا الأمر لا يمكننا هضمه، فإغراق بلدان بعينها في الفوضى؛ حتى لا تتمكن من استغلال مقدراتها وثرواتها كليبيا ومصر مثلاً، فهنا تكمن المصيبة.

فعدم قدرة دولة الإمارات العربية على استيعاب أن لؤلؤة الخليج العربي ستطمرها الرمال عاجلاً أم آجلاً، خلال مدة أقصاها من 10 إلى 15 عاماً حسب تقارير غربية - جعلها تفقد قدرتها على ضبط نفسها درجة الجنون، فأصبحت تضرب هنا وتضرب هناك، تشتري هذا ثم تبيع فلان، تأمن هذا ثم تغدر بذاك.

فحسب تقارير تركية، كانت الإمارات من الدول الممولة للانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز عام 2016، أضف إلى ذلك التسريبات التي بُثت على قناتي "الجزيرة" و"مكملين" والتي توضح حجم الدعم الإماراتي للثورة المضادة في مصر وليبيا.

فليبيا مثلاً تعتبر من الدول النفطية والتي يؤهلها مخزونها النفطي لبناء دولة قوية قادرة على الاعتماد على نفسها. أضف إلى ذلك، مدينة سرت ذات الموقع الاستراتيجي على البحر المتوسط، والتي يمكن أن تصبح دبي الثانية، وهذا نفسه ينطبق على مشروع قناة السويس الذي نادى به الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي في حال إتمامه، وسعيها (أي الإمارات) لتحجِّم دور قطر من خلال شراء ذمم بعض القادة والرؤساء حتى الدول حول العالم، حسب تقارير غربية.

ورغم نجاحها الكبير في المنطقة العربية، فإنها وقفت عاجزةً أمام التنين الصيني الصاعد، فالصين تسعى لبناء وتطوير طرق حول العالم؛ لإيصال بضائعها إلى الأسواق العالمية، ومن ضمن هذه الطرق مشروع ميناء "قوادر" الباكستاني الذي يطل على بحر العرب، وهو بالمناسبة قريب من دولة الإمارات العربية، وهذا الميناء في حال نجاحه واستمراريته، فإن دبي ستختفي من خارطة المال والأعمال الدولية خلال مدة أقصاها 15 عاماً كما ذكرنا سابقاً.

ولمواجهة هذا الكابوس، فقد حاولت عرقلة مشروع ميناء "قوادر"، من خلال الضغط على الحكومة الباكستانية، وعندما فشلت في مساعيها أسقطت رأس الحكومة الباكستانية نواز شريف بفضيحة مدوية أنهت بها حياته السياسية إلى الأبد، إضافة إلى ذلك عقدها لمجموعة من الأحلاف مع دول الجوار كالهند وإيران اللتين تستشعران خطر التمدد الصيني.

ومع فشلها في مواجهتها مع مشروع ميناء "قوادر"، سعت الإمارات لتعويض خسارتها، من خلال السيطرة على موانئ البحر الأحمر، فأدخلت اليمن في حرب أهلية طاحنة؛ للسيطرة على موانئها الحيوية وباب المندب، إضافة إلى التحرش بكل من عُمان وقطر والصومال، ومحاولة إيقاظ صراعات وأطماع قديمة بين دول المنطقة، كل هذا وذاك بهدف المحافظة على دبي عاصمة دولية للمال الأعمال.


المصدر : هاف بوست