الخميس 2017/08/10

حذار أيها السوريون .. هذه فاتورة بقاء الأسد

"أنصاف الثورات انتحار" ..بهذه المقولة أختصر للسوريين ما يمكن أن يحصل فيما لو استسلموا لفكرة بقاء "بشار الأسد" في السلطة، وهم الذين خبِروا جيداً تجربة الثمانينات.

 

منذ عام 1980 حتى قيام الثورة الشعبية عام 2011 ، كان السوريون لا يزالون يعيشون الآثار التي خلّفتها انتفاضة الثمانينات، إذ إن الآلاف عاشوا وماتوا في زنازين المسالخ البشرية التي أعدها نظام حافظ الأسد لكل من عارضه آنذاك، كما عوقبت أجيال كاملة بسبب قرابة -قد تكون بعيدة- لشخص وضعته الأفرع الأمنية في القائمة السوداء، من حرمان من السفر إلى منع من الوظيفة، إلى مراجعة رتيبة لمراكز المخابرات.

ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا النظام اتخذ كافة الإجراءات الاحتياطية اللازمة في حال تكرار سيناريو الثمانينات، فالأكثرية السنّية التي قُمعت بأشد الوسائل في الثمانينات، والمدن والأحياء التي دمّرها حافظ آنذاك، لم تعد مأمونة الجانب بالنسبة لعائلة الأسد التي لا تمتلك أدنى شرعية في بلاد حكمتها بالحديد والنار، فكان لا بد من بناء منظومة عامة في سوريا تُفشل أي انتفاضة جديدة للأكثرية المسحوقة.

فبدل أن يقوم "حافظ الأسد" بمصالحة السوريين وكسب ودِّهم إن صحّت العبارة، اختار أن يتعامل معهم بمنطق "العصا" فقط، واتخذ قراراً ضمنياً بألا تقوم لهم قائمة تعكّر وتزعج مقولة "إلى الأبد"، فأدخل حافظ السوريين بدوامة الصراع مع "لقمة الخبز" ليصرف أذهانهم عن أي تفكير آخر، وحرم "الأكثرية" من أي مناصب مؤثرة في سلك الجيش والشرطة ودوائر صنع القرار، ولا تحدثني عن أشخاص خرقوا هذا المفهوم، لأن الأسد استخدمهم بعد أن ضمِن ولاءهم من جهة، ولكي يغطي نظامه الطائفي أمام الخارج من جهة ثانية.

اليوم يحاول "بشار الأسد" تكرار السيناريو نفسه مع تغيّـر معطيات كثيرة تتعلق بطبيعة الاختلاف بين انتفاضة الثمانينات وثورة 2011.. يحاول حلفاء الأسد اليوم إقناع من أسقطوا الشرعية عنه بأن بقاءه في السلطة أفضل من أن يسيطر "الإسلاميون" على سوريا، وقد نجحوا فعلاً بتثبيت الفكرة لدى بعض الدول التي كانت من أشد المطالبين برحيله عن سدة الحكم.

في حقيقة الأمر لن تتأثر السعودية أو الإمارات  أو فرنسا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل بسيناريو "بقاء الأسد"، ولا إشكالية في أن تُعيد تلك الدول علاقاتها معه ( بعضها لم يقطع العلاقة أصلاً وأكثرها تحالف معه تحت الطاولة)، لكنْ ..كيف سيكون حال السوريين في المدن التي غصت شوارعها يوماً بالمتظاهرين ؟ ماذا سيحل بتلك المدن التي حملت السلاح وأزعجت وهددت مقولة "إلى الأبد" ؟

الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى مزيد من التخيل ..فعودة بسيطة بالذاكرة إلى ما بدأنا الحديث به عن الثمانينات، ستعطي بالتأكيد لمحة متواضعة عما سيدفعه السوريون في حال استكانوا للمخطط الشيطاني الذي يبغي إعادتهم إلى حظيرة الأسد، فالنظام الذي عُرف منذ ابتلاعه سوريا وأهلها أنه بلا عهود أو مواثيق، قام في حالة ضعفه واهتزازه بتدمير المدن فوق سكانها، وقتل عشرات الآلاف في معتقلاته، وتهجير الملايين، ماذا سيفعل في حال امتلك زمام الأمور وعاد إلى سابق عهده ؟

والله إن مجرد تخيل الأمر فظيع، مع حجم الحقد والإجرام والسادية لدى هذا النظام المجرم، ولعل الفيديوهات المسرّبة والتسجيلات التي رآها السوريون خلال سنوات الثورة ليست إلا نقطة في بحر الواقع، وليست سوى مشهد واحد من مسلسل سترافق حلقاته السوريين مئة عام أخرى فيما لو سلّموا بالأمر الواقع.

سيدَّعي النظام أنه "الحضن الحنون"، وسيمثّـل كعادته أدوار الإصلاح، سيقول لكم: هذه صفحة جديدة، لكنْ .. إياكم وحذارِ أن تأمَـنوا نظاماً قتل من معارضيكم ومؤيديكم نحو مليون إنسان ليبقى في الحكم، ستنتهي مهمة المؤيدين والموالين، وسيُهمل النظام كل الامتيازات التي أعطاهم إياها إبان حربه المفتوحة، أما المعارضون فلن يكونوا سوى مشاريع مؤجلة للتنكيل، وأما الشعب فلن يعتبرهم الأسد سوى "عبيد" آبِقين عادوا إلى حكم سيدهم.

لن يُقفل الأسد فروعه الأمنية بل سيزيد عددها، ولن تتحوّل الوحوش التي كان يعتمد عليها في محاربة الثورة إلى ملائكة، بل إنهم سيسكَرون بـ"النصر"، ويتفرّدون بمن خرج عليهم يوماً ما، ومن كان يعتقد أن الوضع الاقتصادي سيتغير فهو مصاب في عقله، فالطغاة يرون التجويعَ وجعلَ الشعب يلهث وراء الخبز خير عمل لصرف الجماهير عن قضاياها وحقوقها، وهذا ما سيكون بالضبط، ناهيك عن أن الفاتورة المادية العالية التي دفعها الأسد ومُوالوه في السنوات الماضية لن يحصلها سوى من جيوب المواطنين البائسين.

ستقضون عشرات السنوات وأنتم تُراجعون الأفرع الأمنية لغسل أدمغتكم مما علق فيها خلال سنوات الثورة،  أما الذين سيكون لهم أقاربُ واصلوا درب الثورة، فهم الهدف المفضل للانتقام ..نعم أيها السوريون ..كل ما شاهدتموه من وحشية منقطعة النظير في سنوات الثورة، لن يكون سوى حلقة واحدة من مسلسل عبوديتكم الأبدية لآل الأسد.

سيكون عليكم أن تَخرجوا يوماً ما في "مسيرة عفوية" ترتجون "بشار الأسد" أن يحنَّ عليكم بتنصيب ابنه "حافظ الثاني" ولياً لعهده، سيكون عليكم أن تعلّموا أبناءكم كيف يكونون مواطنين صالحين وعبيداً أوفياء في وطنهم، لا تنزعجوا يوماً إن سمعتموهم يلعنوكم كما لعنّا آباءنا وأجدادنا، لأنكم ضيعتم فرصة تاريخية لإزالة أقذر نظام طائفي عرفه التاريخ الحديث والمعاصر.

"أنصاف الثورات انتحار" ..عليكم أن تُدركوا معنى هذه العبارة جيداً، لا شك أن معظمكم بات يرى عودته إلى حكم الأسد أرحم مما هو فيه .. لكن لا بد أن توقنوا بأن التهجير والنزوح وشظف العيش أمور أهون بكثير مما ينتظركم هناك.. حيث يحمل جلادكم سوطه ويصك أسنانه ويكتب بدمائكم تاريخاً جديداً تعود فيه بلادكم مزرعةً لآل الأسد، وتعودون عبيداً صاغرين في تلك المزرعة.