الأحد 2017/10/22

“جمال سليمان” يمارس التمثيل على الشعب السوري مجدداً ..”العسكرة والأسلمة” سبب فشل الثورة !

ابتُليت الثورة السورية بعوامل كثيرة خُطّط لها أن تُوقف قطار "الربيع العربي" في سوريا وتحوّله إلى خريف ثم شتاء موحش. ومن أبرز العوامل التي خرجت بالثورة عن هدفها الرئيسي مساهمةُ النظام وحلفائه في صنع معارضات وهمية تروِّج للنظام على طريقة "دس السم في الدسم".

منصات وتيارات وأحزاب لم تعُد أسماؤها تخفى على ذي لُب، تتحدث عن الديمقراطية والدولة الحديثة والتعددية السياسية في سوريا وغير ذلك من المصطلحات الرنّانة، بعيداً عما يجري على أرض الواقع، وبعيداً عن طبيعة الثورة الشعبية التي بدأت بعبارات أطفال على الجدران، ولا تزال تعالج مخاضاً عسيراً رغم انتكاسات كُبرى .

مصطلحا "عسكرة الثورة وأسلمتها" طالما شكّلا موضوعاً خِصباً لدى "المعارضات الخشبية" التي ابتُلي بها السوريون، وطالما كان تحول الثورة إلى المواجهة المسلحة وظهور التيارات الإسلامية فيها "شمّاعة" تتعلق عليه عوامل التقهقر والتراجع. سمعنا تلك النغمة المكررة من شخصيات كثيرة، رأيناها فجأة تنظّر للثورة وترسم لها مساراتها كما تشاء. آخر من قرأتُ لهم هذا "الترف الفكري" الممثل "جمال سليمان" عضو ما يسمى "منصة القاهرة".

جمال سليمان الذي عرف جيداً كيف يتعامل مع الكاميرا في ظل نظام الأسد الأب والابن، يبدو أنه لا يزال يُتقن "الدور" جيداً بعد انخراطه في صفوف "المعارضة". فالممثل الذي يعرف جيداً بحكم عمله العقليةَ التي يحكم بها الأسد سوريا، نسي أو تناسى في تصريحات خاصة بصحيفة "كلنا شركاء" كل ما مر على الثورة السورية من مؤامرات وعراقيل وتحالفات وتدخلات وصلت إلى مشاركة القوة العظمى الثانية في العالم لقمع الشعب السوري .. ينسى جمال كل ذلك، وينسى كذلك دور "المنصات المشبوهة" التي يعتبر ركناً في واحدة منها، ويلخص سبب فشل الثورة السورية بـ" العسكرة والأسلمة" !!

لن أخوض في الحديث من منطلق "التخوين" الذي انتقده "جمال سليمان" في حديثه للصحيفة، ولن أتعامل مع الموضوع على خلفية أن الرجل ينتمي للأقلية العلوية في سوريا، وسأتجاهل أنه لم يدفع شيئاً من أثمان الثورة مما دفعه الملايين في سوريا، فجمال سليمان الذي انتقل من كاميرا التمثيل الفني إلى كاميرا التمثيل السياسي، يصر على أن ينظر من برجه العاجيّ بشكل "فلسفي" وأن يُلقي طروحاته بعيداً عن نبض الشارع.

"أرستقراطية الطرح" في حديث جمال سليمان تجاوزت في واقع الأمر أن مرحلة المظاهرات السلمية تواصلت في سوريا أكثر من 6 أشهر، لم يترك فيها النظام طريقة قتل أو تعذيب أو تصفية إلا اتبعها، مؤمِّلاً أن يُنهي الثورة بالدم والنار، وتجاهل "المدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية" أن الطريقة التي تعامل بها الأسد مع الثورة كانت الغاية منها جرَّ المتظاهرين إلى التسلّح للدفاع عن أنفسهم، في ظل التخلي الكامل عربياً ودولياً عن حمايتهم، نعم .. لقد راهن النظام على إخلاء ساحات التظاهر وتحويل الثورة إلى ميدانه المفضّل .. الحديد والنار.. كلنا نعرف هذا الأمر ونُقِرُّ بأن النظام كان المستفيد الأكبر من "عسكرة الثورة" لكن السؤال المُلِحّ الآن .. ماذا كان يمكن أن يحلَّ محلَّ العسكرة وحمل السلاح ؟؟

الجواب غاية في البساطة .. فأمام آلة القمع والقتل والتعذيب كان النظام سيقضي على الثورة بكل يسر وسهولة، ولن يستطيع متظاهر عاري الصدر أن يواجه آلة الأسد العسكرية في الشوارع والساحات. نحن اليوم نسأل جمال سليمان ونظراءه من " المتفلسفين" .. هل كنتم آنذاك قادرين على تقديم بديل عن "عسكرة الثورة" ؟ .. الجواب الآن برسمكم.

أما قضية "أسلمة الثورة" فإن مما يقع فيه جمال سليمان وسواه أن يخلطوا بين دخول التطرف إلى الثورة وما يسمّونه "أسلمة الثورة" .

فالشعب السوري شعب مسلم، ويحكمه الشعور الديني بالفطرة قبل أن يُخلق جمال سليمان وقبل أن يصبح ممثلاً..فهل كان ينتظر فنانُنا الكبير أن يصبح السوريون اشتراكيين أو بوذيين أو هندوساً كي يرضى عنهم ؟؟

كلنا وقفنا ضد دخول التطرف في الثورة السورية، وكلنا نعلم جيداً أن الأسد هو من أدخل التطرف إلى الثورة وهو من يجني اليوم ثمار ذلك ، لكن الخلط بين ذلك وبين عقيدة الشعب السوري وثقافته لا يمكن بأي حال مكن الأحوال أن يقع فيها شخص يحرص على إظهار نفسه بمظهر "المثقف الليبرالي" كجمال سليمان.

إن إهمال كل ما جرى على الثورة السورية من تآمر القريب والبعيد وتدخل كل شذاذ الآفاق للقتال إلى جانب الأسد وفشل الأمم المتحدة في حماية السوريين، وتخاذل العرب أصدقاء أو غير أصدقاء و غير ذلك مما يطول عده ، وتركيز الحديث على "عسكرة الثورة وأسلمتها" كسببين لفشل الثورة، لا يمكن أن يعد تحت أي بند سوى "سقطة" غير مستغربة من شخص لا يزال مصراً على أن يعيش شخصية الممثل في السياسة كما يعيشها في الفن، ولا يزال يتوهّم أن ما جرى للسوريين هو مجرد مشهد مسرحيّ يمكن أن ينتهي بإشارة من المخرج.. ما يحصل في سوريا ولادة عسيرة لمستقبل يكتبه السوريون بدمائهم ودمار مدنهم، ولا يمكن للفلسفة والهرطقات الفكرية والهلوسات السياسية أن تكون يوماً ما أكثر إخلاصاً من الدماء.