الأربعاء 2018/04/11

تغيير مسار السياسة الأمريكية في سوريا

إن كان الماضي هو استهلال لأي شيء، فينبغي أن نتوقع ضربة أميركية مرتقبة في أقرب وقت ممكن ضد مطارات نظام الأسد.

وقبل أكثر من عام بقليل، هاجمت قوات الأسد المعارضة بالأسلحة الكيماوية.

وأدان الرئيس دونالد ترامب الجريمة البشعة، وفي 7 أبريل (نيسان) 2017 أمر الرئيس الأميركي بإطلاق 59 صاروخا من طراز توماهوك كروز على مطار الشعيرات ، وهو الذي انطلقت منه الهجمات الكيماوية المذكورة.

ولقد أخبر نظيره الصيني بالأمر أثناء احتفالية لطيفة في ناديه الخاص بولاية فلوريدا.

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في عطلة نهاية الأسبوع، إذ يبدو أن نظام الأسد قد هاجم شعبه مرة أخرى بالأسلحة الكيماوية.

وهذه المرة في الغوطة الشرقية، وهي من ضواحي العاصمة دمشق، ومرة أخرى كان رد الرئيس ترامب تغريدة غاضبة للغاية، ووصف بشار الأسد «بالحيوان»، وحمّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقيادة الإيرانية المسؤولية عن تلك الهجمات بسبب الدعم والتأييد الذي يقدمانه لنظام بشار الأسد.

ومن شأن ذلك كله أن يقوّض من دعوات ترامب المبسطة والخاصة بالانسحاب الأميركي النهائي من سوريا ، فإن نفذ الرئيس ترامب تهديده ضد بشار الأسد و روسيا، وإيران بشأن الاستخدام الأخير للأسلحة الكيماوية، فسوف يوسع من نطاق المهمة الأميركية لما وراء محاربة "تنظيم الدولة".

لذلك، وبدلا من وجود رادع حقيقي للهجمات الكيماوية في المستقبل، كل ما علينا توقعه ليس إلا تدابير مقتضية، وربما تتعرض إحدى قواعد النظام للتدمير، ولكن سياسة ترامب الخطيرة ستبقى كما هي ما لم يقم بتغيير مسارها على الحقيقة.

لقد أطلق ترامب العنان للقوات الخاصة الأميركية، والقاذفات الأميركية، والحلفاء الأميركيين أي المليشيات الكردية بصفة رئيسية لتدمير مواقع تنظيم الدولة في سوريا، وهي من الإجراءات الجيدة واستعراض كبير للقوة لما قد بدأه الرئيس الأسبق باراك أوباما على نحو خجول في عام 2014.

لكن ترامب كان حريصا على عدم المساس بالخطط الخبيثة للتحالف الروسي الإيراني مع نظام الأسد الذي يحاول تعزيز الدولة التي انهارت بالفعل منذ عام 2011 ولا تزال الخسائر الإنسانية تشيع حالة من الهول في العقل البشري،ولا يتعلق الأمر بفظائع الهجمات بالغازات الكيماوية فحسب.

وكما ظهر من الصور التي صدرت أواخر العام الماضي من وكالة الصحافة الفرنسية الإخبارية، تضور الأطفال الرضع جوعا حتى الموت في حصار حلب.

وهناك أيضا تهجير المواطنين السوريين، فأكثر من نصف سكان البلاد صاروا بلا مأوى بسبب هذه الحرب.

كما اقترح الأسد مؤخرا قانونا جديدا يسمح لنظامه بالاستيلاء على المنازل المهجورة في البلاد.

وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة الطوارئ التابع لنظام الأسد، أن من شأن هذا القانون أن يسمح لنظام الأسد بمكافأة الرعاة الإيرانيين المحسنين على نظامه بالمنازل التي أجبرت الميليشيات الإيرانية أصحابها على الهرب منها.

ومن شأن كل ذلك أن يجبر الأمم المتحضرة على التوحد سويا وإيقاف هذه الفظائع،ولكن هناك مسؤولية خاصة ملقاة على عاتق الولايات المتحدة في هذه اللحظة الحرجة على الرغم من مكاسب الأسد برعاية روسيا وإيران في سوريا خلال العامين الماضيين، فإن الحرب لم تنته بعد على سبيل المثال، فإن الأراضي الواقعة إلى شرق نهر الفرات، والتي نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها من المليشيات الكردية في السيطرة عليها من تنظيم الدولة ليست خاضعة لسيطرة قوات الأسد حتى الآن.

وهنا، يمكن للولايات المتحدة منح هذه المدن والبلدات المحررة حديثا نوعا من الملاذ الآمن.

أمام الرئيس ترامب الآن فرصة مماثلة لتغيير مسار سياسته أيضا فليس عليه الالتزام بإعادة بناء سوريا بأسرها ،ولكن على أقل تقدير يمكنه أن يفي بالدين الأميركي للميليشيات الكردية التي ساعدته في هزيمة تنظيم الدولة، ومحاربة الأعداء على الأرض هناك، حتى لا يضطر الجنود الأميركيون إلى محاربة الكثيرين منهم .

ومن شأن ذلك أن يستلزم وضع سياسة تهدف على الأقل إلى حماية شرق سوريا من الآلة الحربية المجنونة لبشار الأسد وقواته.

والبديل عن ذلك لن يكون سوى الكارثة والخزي والعار فإن نكث الرئيس ترامب فعلا بوعده بالخروج من سوريا، ربما في وقت مبكر مثل أكتوبر (تشرين الأول)، فسوف يترك السكان الذين تم تحريرهم من تنظيم الدولة يتعرضون للتشريد.

وسوف يساعد إيران على استكمال الجسر البري الذي تصبو إليه حتى البحر الأبيض المتوسط،ولسوف يكون مضحيا بالدماء والأموال الأميركية لتأمين تحقيق الأهداف الاستراتيجية لأعداء الولايات المتحدة.

وإنه الإرث الذي من شأنه أن يُلحق العار والمهانة بأي رئيس في أي مكان.


المصدر : عربي21