الأربعاء 2018/01/03

ترامب يسرق ثورة الإيرانيين !  

يصعب التكهن في واقع الأمر حول مصير الاحتجاجات التي اندلعت في إيران يوم الخميس الماضي، فالطرف الشعبي وطرف السلطة لدى كل منهما أسباب مقنعة ليكون أقوى من الآخر وأكثرَ ثباتاً.

فالنظام الإيراني واجه قبل الأنظمة العربية بنحو عامين حركة احتجاجية كبيرة أعقبت جولة إعادة الانتخابات الرئاسية في حزيران 2009، واستطاع القضاء عليها عبر القمع الشديد ومحاصرة رؤوسها وقادتها، ثم لم يلبث نظام "الولي الفقيه" أن دخل معترك "الربيع العربي" بقوة، زاجّاً نفسه في سوريا واليمن والعراق والبحرين، محاولاً الاستفادة من جميع تفاصيل الثورات العربية فيما يخدم مبدأ "تصدير الثورة".

أما على الجانب الشعبي فيبدو الأمر كذلك مختلفاً عن "الحركة الخضراء 2009 "، فالدافع وراء تلك الاحتجاجات كان يتعلق بالسياسة، على خلفية اتهام السلطات بتزوير نتائج الانتخابات بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي، أما مظاهرات اليوم فلا تتعلق بالسياسة وحسب، بل إن الدافع المحرك لها اقتصادي بالدرجة الأولى، وشتان بين الثورات السياسية "الناعمة" وثورات الجياع "ذات المخالب". ثم إن الحركة الخضراء انتهت عملياً بمحاصرة رموزها وقادتها، فقال الشعب الإيراني في قرارة نفسه: إذن لمَ أضحي بنفسي وفي سبيل من؟ ما جعل الغاضبين يعودون إلى بيوتهم تدريجياً.

أما احتجاجات اليوم فلا قائد لها سوى سياط الفقر المُوجعة الذي يقبع نحو 50 % من الإيرانيين تحت خطّه ( نحو 40 مليوناً من أصل 80 )، في الوقت الذي تنفق فيه حكومتهم المليارات للأسد والحوثيين وحزب الله والمليشيات العراقية.

على أية حال، ربما تحتاج المقارنة بين إيران 2009 وإيران 2018 إلى مقاربات عديدة وقراءات خاصة، لكن ما يلفت النظر هو الموقف الأميركي تجاه "الحركة الخضراء"، وموجة الاحتجاجات الحالية، إذ يمكن القول بارتياح إن واشنطن اتخذت موقفين متناقضين إزاء ذلك، ففي الوقت الذي  لم يقدم فيه باراك أوباما أي دعم لمظاهرات 2009، ولم يقم بالهجوم على إدارة أحمدي نجاد، نرى ترامب يسلك مسلكاً معاكساً تماماً، عبر اهتمام يومي شديد بالتطورات هناك، وإفراغ مساحة واسعة في تغريداته لإظهار موقف إدارته مما يحصل.

وجد ترامب في الاحتجاجات الحالية مُتّسعاً ليشنّ هجوماً لاذعاً على النظام الإيراني، ويتّهمه بسرقة "أموال الشعب"، و"دعم الإرهاب"، ولعل العبارة الأخطر في كلام ترامب جاءت في قوله : "حان وقت التغيير في إيران".

القراءة السطحية للموقف الأميركي بين 2009 و2018 تقول إن إدارة أوباما تخلت عن دعم موجة التغيير في إيران، وتركت مئات الآلاف يواجهون آلة القمع لدى الباسيج وحدهم، بينما تعطي إدارة ترامب المحتجين دافعاً قوياً للمضيِّ في "ثورتهم" والتمترس في الشوارع ومواجهة الحديد والنار، عبر وعودٍ بالدعم والمساندة.

تقصدتُ أن أقول "القراءة السطحية"؛ لأنه بالفعل "تفسير متسرِّع"، لعل صاحبه أخطأ في القياس.

يرى غالبية المحلّلين ومراقبي الشأن الإيراني أن نظام أوباما الذي اتبع "سياسة وادعة" مع طهران، ولم يتدخّل في احتجاجات "الحركة الخضراء 2009"، أبعد عن المنتفِضين آنذاك صفة العمالة والارتهان للخارج، ما منح حركة الاحتجاجات طابعاً وطنياً صِرفاً نال تعاطف الشارع، وسمح للمعارضة بالصمود والمواجهة لسنوات، طالما أن "العدو الافتراضي" لإيران صمت عن الأمر، ولم يعطِ ذريعة للنظام بمواجهة مئات الآلاف على أن "الشيطان الأكبر" يوجِّههم.

يحصل نقيض ذلك في الوقت الحالي، فترامب لا يترك يوماً دون أن يغرِّد بشأن إيران، وأحياناً يضع تغريدة في الصباح وأخرى في المساء، ما دفع أحد المسؤولين الإيرانيين إلى دعوته للتفرغ لشؤون دولته بدلاً مما اعتبره "تحريضاً" لدفع الناس إلى التظاهر.

ربما ندرك أن نظام الملالي يتخذ من العداء لأميركا ستاراً لمشاريعه الجهنمية في المنطقة، وندرك كذلك أن التهديدات المتبادلة بين طهران وواشنطن ليست سوى موادَّ للتعبئة، وأوراق تستخدم في مناسبات معينة "كالانتخابات مثلاً"، غير أن الشعب الإيراني بمفاهيمه البسيطة يعتبر أمريكا بالفعل "شيطاناً أكبر"، وتدفعه الإيديولوجيا المتوارَثة إلى اعتبار كل ما يصدر عن واشنطن لا يمكن أن يصبَّ في مصلحة الإسلام وإيران.

انطلاقاً من هذا المبدأ ..يقول أصحاب هذا الرأي إن ترامب يُسدي خدمة رائعة لنظام الملالي الذي وصف المحتجّين مباشرة "بعملاء للعدو"، الخطير في هذا الأمر أن مؤيِّدي حكم الملالي سيزداد التفافهم على نظامهم، ويعتبرون المعركة ليست مع متظاهرين في الشارع، بل مع إدارة ترامب. أما أوساط الصامتين من الشعب الإيراني فإنهم سيقولون في قرارة أنفسهم: لماذا أحتجُّ ضد الحكومة وأكون متهماً بالعمالة؟ وبعضهم سيعيد التفكير ولسان حاله يقول : نار الملالي أفضل من جنة "الشيطان الأكبر".

الحقيقة أن إدارة ترامب تسلِبُ المتظاهرين في إيران صفة الوطنية، وتعطي دافعاً قوياً لكبح جماحهم وإنهاء تحركاتهم للمطالبة بحقوقهم، والمشكلة الأكبر هنا أنها تصريحات "خُلّبية" على أية حال، عرفها الشعب السوري مثلاً منذ عبارة " أيام الأسد معدودة"، واليوم يَعِدُ ترامب الإيرانيين "بدعم واسع في الوقت المناسب"، ويعطي نائبه "بنس" الإيرانيين وعوداً مماثلة بدعم المتظاهرين ..ما يدركه الجميع أن إدارة ترامب لن تقدم للإيرانيين سوى الأكاذيب ولن تمنحهم سوى الوهم، بينما هي في حقيقة الأمر تعطي نظام الملالي فرصة ذهبية لسحق الثائرين ضدّها، تحت بند "المؤامرة الخارجية".