السبت 2017/08/19

بين خطأ “الدهس” وصواب “الدعس” تضيع معظم وسائل الإعلام العربية !

مع كثرة الأخبار التي تتحدث عن عمليات "الدعس" في أوربا وسواها، يجد المُشاهد كماً هائلاً من الفضائيات ووسائل الإعلام العربية، التي يُعد بعضها من الطراز المرموق، يقع في خطأ لغوي فاحش يُلبِّس على القارئ صواب اللفظ، ويُوقع شُداة العربية في خلاف وتخبُّط حول الاستخدام الصحيح لاسم هذا النوع من الحوادث؛ لأن بعضاً من هذه القنوات من النوع المحافظ والموثوق به في ميدان الصياغة بالعربية الفصحى.

الخطأ "الفاحش" يتمثل بتسمية الحوادث المشار إليها بـ"الدهس"، حتى بات من الطبيعي أن تشاهد على سبيل المثال خبراً يقول : مقتل أربعة عشر شخصاً بعملية دهس في برشلونة الإسبانية.

الحقيقة أن المعجم العربي لا يعرف لفظ "دهس" بالمعنى الذي يَرِد فيه على هذه القنوات، فـ ( الدَّهْس) هو المكان السهل الليِّن تحت الأقدام، وهو النبات الذي لم تغلِب عليه الخُضرة (في معنًى آخر).  والدَّهَاسة : سُهولة الخُلق والمُلاينة والدماثة، و (دهَسَتِ الأرضُ ) لانت. أما الكلمة الصحيحة في هذا المجال فهي "الدَّعْس" وتعني : الوطء والدوس، تماماً بالمعنى المقصود من الحوادث التي تتكلم الأخبار عليها. قال الشاعر الجاهلي الحارث بن حِلِّزة اليشكري :

وغيرُ آثَـارِ الجيادِ بأعْـ    ــراضِ الجمادِ وآية ِ الدَّعسِ

وللاستزادة في الأمر جاء في لسان العرب مادة [ دهس ] ما مختصرُه :

رمل أدهس : ما لا يُنبت شجراً وتغيب فيه القوائم. وقيل : هو كل ليِّن سهل لا يبلغ أن يكون رملاً وليس بتراب ولا طين. ونقل ابن منظور ( صاحب اللسان )  عن الأصمعي قوله : الدّهاس كلُّ ليِّنٍ جداً ، وقيل : الدهس : الأرض السهلة يثقل فيها المشي ، وقيل : هي الأرض التي لا يغلِب عليها لون الأرض ولا لون النبات وذلك في أول نباتها ، وأدهس القوم : ساروا في الدَّهْس. وفي الحديث : أقبل من الحديبية فتنزل دَهَاساً من الأرض.

أما "الدَّعْس" فجاء فيه على "لسان العرب" باختصار أيضاً في مادة [ دعس]

دعس : دعسه بالرمح يدعسه دعساً : طعنه . والدعس : الطَّعن . والمُداعسة : المطاعنة . وفي الحديث : فإذا دنا العدوُّ كانت المُداعَسةُ بالرماح ..والدعس : شِدة الوطء . ودعَسَتِ الإبلُ الطريقَ تدعسه دعساً : وطِئَته وطئاً شديداً .

ويتضح من خلال الأمثلة أن بين المعنيين بُعداً كبيراً في المعنى، فلا يمكن إجراء التقارب بينهما بأي باب من أبواب المجاز اللغوي أو العقلي أو المُرسَل، ولا يمكن الأمر في باب الاستعارة لغياب الوجه الجامع بين المعنيين.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الفعل "دهس" لازم لا يحتاج مفعولاً به ( دهَسَتِ الأرضُ "أي لانت")، بينما الفعل الآخر "دعس" متعدٍّ يحتاج مفعولاً به حتى يتمَّ معنى الجملة ( دعستُ الطريقَ "أي دُسته بشدة" ).

ولعل التقارب في المخرج بين "الهاء" و "العين" هو ما أوقع الكُتّاب والصَّحفيين بهذا الخطأ، فكلاهما حرف حلقيّ، واللافت في الأمر أن وقوع بعض المشاهير من الكتّاب والصَّحفيين بهذا الخطأ جعل العامّة يحسبون "دهس" هو الفصيح، و"دعس" لفظ عامّي غير صحيح.

تركيزنا على عجَلٍ في هذه المادة على الفعلين "دهس" و "دعس" لا يعني أنه الخطأ الوحيد الذي تقع فيه وسائل الإعلام العربية، بل إن قائمة الأخطاء تطول مع الأسف، لكن كثرة أخبار "الدعس" هذه الأيام، وكثرة الوقوع بهذا الخطأ الفاحش، دفعتنا إلى الإيضاح؛ لعلنا نسمع ونرى في قنواتنا العربية لغة فصحى، خاليةً "أو شبه خالية" من الأخطاء الشائعة لدى عوامِّ الناس.