الأربعاء 2016/12/07

بين تيمورلنك والأسد .. ثالوث السلام الدمشقي “تاجر وشيخ .. وطاغية”

من تيمورلنك إلى حافظ الأسد وابنه بشار، يبدو أن دمشق آثرت الوقوع في الفخ مرتين، ولم تقرأ التاريخ جيدا كما ينبغي لعاصمة مثلها تعد الأقدم في العصور.

آثرتُ بدء الحديث عن وجه الشبه بين تيمورلنك وآل الأسد، لعلاقة مشابهة بين الطاغيتين، ودمشق.

حيث بدأت القصة الأولى عام ( 803 هـ ) حين أحرق تيمورلنك الأعرج (أحد أشهر طغاة المغول ، وكان يدين بالمذهب الشيعي) مدينة حلب، ونكَّـل بأهلها شرَّ تنكيل، ثم توجه إلى دمشق، وبعد مقاومة من أهلها عرض عليهم الصلح، فهبَّ تجار المدينة وبعضُ مشايخها يقنعون الناس بفكرة الصلح، مقابل مال يدفعونه لتيمورلنك، وتحت تزيين التجار والمشايخ، اختار أهل دمشق المصالحة، رغم تحذير صاحب "قلعة دمشق" من مغبة هذا التصرف.

دخل تيمورلنك المدينة وباشر بجمع أموال التجار، حتى ضَمِن أنه سلبهم كل ما يملكون، وحينها أقدم على قتل طائفة منهم، وأمر بحرق المدينة واستباحتها. وبعد ثلاثة أيام من حريق دمشق ..جلس تيمورلنك يتأملها وخاطب بعض جلسائه بالقول ...هل رضي الحسين الآن؟؟؟

أعاد التاريخ نفسه في دمشق مرة ثانية ..مع تيمورلنك جديد ..انقلب على أصحابه عسكرياً، وجلس على هرم السلطة طاغيةً يبحث عن شركاء.

نعم ..حين استولى حافظ الأسد على السلطة لم يكفه السلاح الذي كان بحوزته لتمكين حكمه، بل إنه بحث عن المال الذي يدعم أركان انقلابه، ووجد حينها تجار دمشق خيرَ شريك.

في هذه المقالة.. لا يستهدف الكاتبُ الدمشقيين الشرفاء، ولا أهل الريف الدمشقي الثائر، لكنه يعيد الحديث عن تاريخ قريب، طوَّرت فيه دمشق مقولة "الناس على أديان ملوكهم" إلى مقولة " الناس على أديان تجارهم وشيوخ سلاطينهم" .. نعم ..لا يمكن للناس أن يكونوا على أديان ملوكهم إذا لم يشترِ الملوك مواقف بعض الطبقات، التي ستهيِّئ له أركان عرشه، وتضمن له ولاء الشعب.

في هذه المقالة يعطي الكاتب دمشق وصفها الذي أرادت وأحبَّت ..مدينة الياسمين ، لا مدينة المواقف الحاسمة، ما يوجب تسليطَ الضوء على العلاقة بين "تجار دمشق" وحافظ الأسد ...العلاقةِ غيرِ الشرعية، التي أنجبت بلاداً صار اسمُها فيما بعد "سوريا الأسد".

لستُ أنا من يقول ذلك .. إنه التاريخ القريب، بل إنه التاريخ البعيد والأكثرُ بُعداً، إنه العصورُ التي استطاع فيها الدمشقيون أن يحوِّلوا مدينتهم إلى سلام مُحاطٍ بالزلازل، عن طريق التجار ورجال الدِّين.

إنها دمشق التي سجَّل تاريخ ما قبل الإسلام اسمها تاجرةً تأخذ ما تشاء من قوافل الجزيرة العربية ثم تردُّهم إلى قبائلهم فرِحين، إنها دمشق " المسيحية الغسانية" التي دخلها خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح صُـلحاً ، في الوقت الذي دخلت فيه جيوش الفاتحين إلى جاراتها عُنوةً وحرباً، هي دمشق التي ألهب الصليبيون محيطها وأحالوه جحيماً، فيما بقيت وادعةً مطمئنةً تأخذ من التاريخ ولا تعطيه شيئاً ! ، هي التي ظنَّت أنها لو منَحت تيمورلنك أموالها ستكون سالمة، وخاب ظنها...هي في التاريخ الحديث ..دمشق التي خانت السوريين مرتين.

الخيانة الأولى .. 1982:

في أحداث الثمانينات، أحسَّ معظم السوريين بالعطَبِ الذي استشرى ببلادهم، مع تغوُّل البعث الأسديِّ في جميع مفاصِل الدولة، فبعد 12 عاماً من وصول حافظ الأسد إلى السلطة عبر انقلاب على رفاقه، مكَّن له فيه "تجار دمشق" ، عمّـت المظاهراتُ والاحتجاجاتُ عدة مدن سورية كبرى أبرزها حلب وحمص وحماة ودير الزور، واضطرب نظام حافظ الأسد حتى أوشك على السقوط فعلياً، لولا أن زعامة تجار ومشايخ دمشق رفضوا المشاركة في الاحتجاج، وصدرت فتاوٍ عن عدة مشايخ في دمشق، تحرِّم "الخروج على السلطان" ، وتعتبر ما يجري "فتنة شيطانية".

استعاد حافظ الأسد السيطرة بالتدريج، وانقض على معارضيه قمعاً واعتقالاً، حتى وقع ما جرى في مدينة حماة، التي قُتِلَ فيها أكثرُ من 40 ألف شخص، واستُبيحت المدينة وهُدِمَتِ فوق رأس ساكنيها.

ونتيجةً لأحداث 82 .. حصَّن حافظ الأسد نفسه داخلياً بتجار دمشق ومشايخها، واستطاع إعلامه أن يقنع السوريين أن دمشق هي محورُ العالم، مع تهميش إعلامي أيضاً لمدن تناطح دمشق تاريخياً ..

الخيانة الثانية ... 2011:

بعد نحوِ ثلاثين عاماً على موعد "الخيانة الدمشقية الأولى" دار الزمن دورته، وألقت موجة الربيع العربي رحلها في سوريا، وخرجت مدن درعا وحماة وحمص ودير الزور وسواها في ثورة شعبيةٍ استحضَرت ظلم عقودٍ أربعة،
وتأخرت مدينة حلب بالالتحاق في ركب الثورة، لأن بعض تجارها اختاروا الوقوف في صفِّ النظام ومولوا عصابات الشبيحة.

أما في دمشق، فخرجت أحياء الميدان والتضامن وجوبر والقدم، إضافة إلى الريف الدمشقي برُمّـته، بينما ظلت بقية دمشق "على عهدها"، وفية لبشار الأسد ونظام أبيه، عبر الطبقة التي خانت السوريين في المرة الأولى ..التجار ومشايخ السلطة .. وما أشبه اليوم بالبارحة !
لم تقفْ دمشق على حيادِها التاريخي المعهود، بل استطاع بشار الأسد من خلالها أن يُقنع الرأيَ العام العالمي، بأن الثورة ضدَّه هي ثورة الأرياف والطبقات الفقيرة، أي إنها ثورة اقتصاد، لا ثورة تحرر سياسي شامل!.

واصل تجار دمشق تجارتهم على حساب تجويع جيرانهم في مدن الغوطتين، ، واستمر مشايخ السلطان فيها يحرِّضون على الثورةِ، ويلمِّعون صورة الطاغية أمام العالم.

بل إن بعضَ من ركبوا صف المعارضة من أهل دمشق، لم يكونوا في الغالب ممثلين لجماهير الثورة، بالقدر الذي مثلوا فيه مصالح دمشق، وقاموا بإقناع بقية المعارضة بضرورة بقائها بعيدة عن أي اضطرابات قد تُلحق بها الضرر، حتى إن نظام الأسد اعتبر هذا الصنف من المعارضة، نوعه المفضل.

مشايخ دمشق ... عرابو المصالحات القاتلة :

من أجل ضمان "مصالح دمشق" استطاعت طبقة من التجار بالتعاون مع "مشايخ السلطان" ومسؤوليه، ، أن تغرزَ في الريف الدمشقي المحرر، خنجراً مسموماً اسمه " الهدن والمصالحات"، في مشهد يعيد إلى الأذهان قصة تيمورلنك..

تحت عنوان "المصالحات الوطنية والهدن" استطاع عدد لا بأس من به من "مشايخ حميميم" بالتعاون مع أجهزة مخابرات الأسد، وبعض أطراف "المعارضة الدمشقية" ، أن يُفرِغوا عدداً من مدن الثورة ورموزها من مقاتليها وأهاليها.. داريا والمعضمية وخان الشيح وبعض أحياء ومدن الجَـنوب الدمشقي، كانت مسرحاً لِما يظهر في الإعلام أنه "مصالحة"، بينما هو في الحقيقة ضربات في خاصرة الثورة.

فالرقعة التي كانت ترفع فيها أعلام الثورة في دمشق وريفها، لا تبدو اليوم كما كانت عليه عام 2012 ، والجبهات التي طالما أرَّقت نظام الأسد وحلفاءه ،هدأت اليوم دون أن يقدم النظام فيه خسائر تُذكر، بسبب هذه "المصالحات"، ما جعله يتفرَّغ لجبهات أخرى ويزج فيها بكل ثقله.

نعم .. ليس ما يجري اليوم في حلب ومناطق إدلب والريف الحمصي المحاصر، سوى أثر قريب من آثار "الخيانة الدمشقية"، ولا يمكن اليوم أن نلقي باللوم فقط على الأقليات التي وقفت في صف النظام ومشروعه، ولا على الروس والإيرانيين ومليشياتهم، ولا على مجموعات الأكراد الانفصاليين في الشمال السوري، بل إن المجرم الحقيقي هو من اختار ترتيب بيته الداخلي على حساب حريق بيت جاره، المجرم الحقيقي هو الذي سمح لدمشق أن تبقى عاصمة الياسمين، بينما تملأ روائح البارود محيطها، هو الذي ساعد إعلام بشار الأسد على أن يجول بكاميرته في أسواق دمشق العامرة وليالي السمر فيها، بينما يجوع يفتك الجوع بأطفال مضايا والزبداني، المجرم هو الذي جعل سكان المدن الثائرة ينزحون منها على وقع القتل والتدمير ، ليكون أقصى حلم عندهم ، هو الحصول على غرفة صغيرة، يدفع إيجارها عشرات آلاف الليرات .. في "دمشق الأسد".

دمشق اليوم بسبب هذا اللقاء "غير الشرعي" بين طاغيتها وتجارها ومشايخ السلطان فيها، لا تبدو على أية حال عاصمة الأمويين العتيدة، إذ يبدو أن السلام الذي نشدته وسط محيط من الزلازل، لا بد له من ثمن، والثمن باهظ، فمشاهد اللطميات والمسيرات العاشورائية فيها هذه الأيام، تتزامن مع غزو أحفاد تيمورلنك لحلب مرة أخرى، فذاكرة السمك عند أعوان الطغاة أنستهم أن الغزاة حين يتمكنون، فأول ضربة يوجهونها ستكون باتجاه من أعانوهم على احتلال بلدانهم..وفي قصة تيمورلنك مع تجار دمشق عبرة عظيمة ..لو نطق التاريخ ..أو لو قرؤوه كما يجب، أو لو فهموا ما قصده مظفر النواب حين قال : " ماذا يطبخ تجار الشام على نار جهنم ... إن الطاعون قريب"،
فلا بد أن يسمع أهالي دمشق يوماً ما، السؤال الذي سمعه أجدادهم من فم تيمورلنك ..هل رضي الحسين الآن ؟؟!