الثلاثاء 2018/02/06

بيان الائتلاف حول “فيديو المقاتلة الكردية” ..ما هكذا يا سعد تورد الإبل!

لا يزال الشد والجذب على قدم وساق في مواقع التواصل والقنوات الإخبارية حول مقطع الفيديو الذي يُظهر جنوداً من الجيش السوري الحر في عفرين يلتقطون صوراً بجانب جثة مشوّهة لمقاتلة في مليشيات "ب ي د". المقطع سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم، وبدأ تداوله على نطاق ممنهج لضرب عملية عفرين برمتها، واتُّخِذ مطية للإساءة إلى الجيش الحر ومن ورائه تركيا التي تقود العملية.

قبل كل شيء ينبغي القول إن عملية التصوير بجانب الجثث ليست صحيحة وينبغي التعامل مع جسد الآدمي كما تأمرنا الشريعة السمحاء والأخلاق المتوارثة.

عندما شاع مقطع الفيديو تتبعّتُ المواقع والقنوات التي بدأت ترسم منه قضية رأي عام للتحشيد ضد "غصن الزيتون" ولم تكن النتيجة غريبة أو مفاجئة في بادئ الأمر، إذ امتلأت المواقع الكردية بخبر الفيديو مع تمجيد المقاتلة "بارين كوباني" التي قالت تلك المواقع إنها "بطلة" أبت أن تنسحب من موقع جاءت الأوامر بإخلائه.

الطرف الثاني الذي أعاد وكرر الفيديو عشرات المرات هو القنوات السعودية والإماراتية، التي يمكن أن تلتقط أي حدث في الأرض أو حتى المريخ لتقدح بتركيا وقطر، وظهرت قنوات "العربية" و"سكاي نيوز" بشكل مفاجئ كناطق باسم "مليشيات إرهابية" مسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب بشهادة منظمة العفو الدولية، و"هيومن رايتس ووتش" وغيرها الكثير..لا بأس ..ففي سبيل القدح بتركيا يمكن للقنوات السعودية والإماراتية أن تستضيف "الشيطان الرجيم" شخصياً للدفاع عن نفسه!.

كل هذا لم يفاجئني كثيراً وكان متوقعاً لديّ، لكن الأمر الذي استوقفني كثيراً هو بيان "للائتلاف السوري المعارض" يستنكر فيه الحادثة ويندّد بها.

لم يكن الغريب أن الائتلاف اختار "موقفاً إنسانياً" من الحادثة، فالإنسانية مما لا نختلف عليه مع أي أحد، لكن العجيب أن الائتلاف ساعد في الترويج لدعاية كاذبة، وكان سبباً في تصديق الحادثة حتى من قبل الذين كانوا متشككين من الأمر، فجاء البيان كتصرف متسرع أحمق غير محسوب العواقب.

في الحقيقة هذا ما ظننته في البداية، وظن الجميع أن الهيئة السياسية في الائتلاف أرادت إيصال رسائل "بعيدة المدى" عبر بيانها الإشكالي، ثم بدأت تتواتر الأخبار عن خلاف شديد داخل أروقة الائتلاف بين المجلس الكردي الذي صاغ البيان، وغالبية أعضاء الهيئة السياسية الذين رفضوه، وقامت "أيادٍ خفية" بتمريره وإخراجه للرأي العام.

الفصائل العسكرية المنضوية داخل الائتلاف استنكرت البيان، وردت عليه ببيان آخر قالت فيه إن الأولى بالائتلاف كممثل للشعب السوري "أن ينتظر نتائج لجنة التحقيق المشكلة من قبل وزارة الدفاع للتحقيق بالحادثة ومضمون المقطع المرئي"، وأكدت الفصائل وجود حملة ممنهجة ضد عملية "غصن الزيتون" كان يفترض بالائتلاف أن يكون لها بالمرصاد، لا أن يخوض مع الخائضين في قضية لم تكشف خيوطها وحقيقتها بعد.

كان حريّاً بمن صاغوا هذا البيان الاستباقي في الائتلاف أن يُدينوا قبل كل شيء عمليات تجنيد النساء والأطفال التي تقوم بها مليشيات "ب ي د" الانفصالية، وأن يدينوا عمليات القصف العشوائي التي تقوم بها مليشيات أوجلان وصالح مسلم ضد المدنيين الآمنين في البلدات السورية المحررة والبلدات التركية الحدودية، حيث قضى وأصيب العشرات جراء حقدٍ عرقي مسموم.

ثم من ناحية ثانية تجدر الإشارة إلى المواقع الكردية التابعة لـ"ب ي د" نفسها قدمت رواية مختلفة عن الرواية المتداولة حول "تشويه جثة المقاتلة" وقالت إن "بارين كوباني" حوصرت في مقر رفضت الانسحاب منه وفجرت قنبلة يدوية بجسدها كعملية انتحارية، وهي الرواية التي حاول بعض مسؤولي "ب ي د" نفيها بحجة أن "العمل الانتحاري" ليس في عقيدة تلك المليشيات، رغم أن أياماً قليلة تفصلنا عن خبر تفاخر به مناصرو "ب ي د" يقول إن المقاتلة " آفيستا خابور" فجرت نفسها بدبابة تركية في منطقة جندريس بريف عفرين.

ندرك جيداً أن مؤسسة الائتلاف بالعموم لم تكن راضية عن مضمون البيان الإشكالي، وأن أطرافاً ما أرادت إشعال فتنة من جهة، وضرب عملية عفرين من جهة ثانية، ولا بد لنتائح التحقيق الذي وعدت الحكومة المؤقتة بإجرائه أن يكشف حقائق حول الموضوع، ربما لن ترضي سلفاً من يريد تشويه صورة الجيش الحر، مقابل تلميع مليشيات تفاخرت فيما قبل بعرض جثث شباب دافعوا عن مدنهم المحتلة، على ناقلة كبيرة، وطافت بهم في شوارع عفرين.وهنا نعود لنذكر أننا كسوريين ضد عمليات القتل والانتقام من أي طرف كان، في الوقت نفسه نحن ضد الحملات الإعلامية الممنهجة التي تقلب الحقائق وتشعل مزيداً من نيران الفتن والأحقاد.