الأحد 2017/10/08

بعيدا عن الشائعات ومشاريع الفتن .. هذه حقيقة “الانتشار التركي” في إدلب خلال المرحلة الراهنة

منذ أن سقطت الأحياء الشرقية لمدينة حلب بيد قوات الأسد أواخر العام 2016، اتجهت الأنظار إلى محافظة إدلب المجاورة، والتي كانت ثاني محافظة تخرج من سيطرة النظام ريفاً ومدينة بعد محافظة الرقة.

إلا أن اتفاق "تخفيف التصعيد" الذي أُقرّ في العاصمة الكزخية أستانا مطلِع العام الجاري، صرف أنظار النظام وحلفائه عن الغرب السوري - بما فيه إدلب -، وصارت الوجهة شرق سوريا حيث يسيطر تنظيم الدولة على معظم محافظة دير الزور، التي كان نظام الأسد حتى وقت قريب يحلم بالوصول إلى حدودها الإدارية؛ إلا أن روسيا استطاعت عبر التفاهم مع الولايات المتحدة من جهة، وعبر مسارات أستانا من جهة ثانية، أن تهيئ كل الظروف لخوض معركة دير الزور.

على أية حال، فإن هجوم قوات الأسد ومليشياته وحلفائه على دير الزور وريف الرقة الجنوبي والشرقي، أبعد الخطر نوعاً ما عن محافظة إدلب، أو فلنقل إنه ساهم في تأجيل مصير المحافظة.

وفي هذه الأثناء كانت تركيا تراقب ما يجري، وتدرك -كما السوريون- أن مصير إدلب يتعلق تماماً بسير معركة دير الزور، التي ما إن يفرغ النظام من تحقيق ما يريد فيها فإنه سيقفل راجعاً إلى الغرب الذي تركه هادئاً، والذي تشكّل إدلب العقبة الأكبر فيه. وهذا ما كرره المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أكثر من مرة حين حذّر من "مصير كارثي" ينتظر المحافظة التي يقطن فيها أكثر من 3 ملايين شخص بين مقيم ونازح.

تعرف تركيا جيداً خطورة الوضع في إدلب على أمنها القومي، ويبدو أنها أخذت تحذيرات دي ميستورا على محمل الجِدّ، واعتبرتها رسالة تخصّها هي قبل غيرها؛ ولذلك سعت جاهدة إلى إدراج إدلب على قائمة تخفيف التصعيد، مستغلة أجواء التفاهم والثقة بينها وبين روسيا، لكن إدخال إدلب في الاتفاقية لن يكون – وفق وجهة النظر التركية – كسواه في الجنوب أو حمص أو ريف دمشق. وعلى العموم يمكننا القول إن تركيا تعاملت مع ملف إدلب بحساسية شديدة لسببين رئيسين:

1- حذّرت تركيا في الفترة الأخيرة من مخطط كردي يرمي إلى التوسع من عفرين باتجاه محافظة إدلب، بغية الوصول فيما بعد – بالتنسيق مع الأسد – إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما تعتبره أنقرة خطاً أبعدَ من الأحمر؛ لأن وصول مليشيات "ب ي د" إلى البحر يعني "نفخ الروح" في كيانهم الممتدّ من حدود العراق إلى أقصى الغرب السوري على الحدود التركية. ولهذا تسعى أنقرة إلى قطع الطريق على " ب ي د" ومنعها من الزحف نحو إدلب.

2- يُثير موضوع الأمن في إدلب حساسية كبيرة لدى تركيا، التي تعرف أن أي هجوم على المحافظة سيجعل الملايين الثلاثة الذين يقطنونها يتوجهون إلى حدودها، وهو ما لا تطيقه تركيا ولا تتخيل سيناريوهات التعامل معه، في ظل وجود أكثر من 3 ملايين سوري في أراضيها.

وقد أثار الهجوم الروسي العنيف على محافظة إدلب خلال الأسبوع المنصرم -والذي سقط فيه مئات الضحايا المدنيين- تلك الحساسية التركية، فسارعت أنقرة إلى حسم خياراتها والدخول في صلب المواجهة.

الوجود التركي في إدلب ..انتشار أم سيطرة:

رغم إعلان الرئيس التركي أن بلاده بصدد توسيع منطقة "درع الفرات" بالشمال السوري، إلا أن واقع الحال يقول إن الوضع في إدلب مختلف عن الوضع شمال شرق حلب الذي أطلقت فيه تركيا عملية عسكرية في آب 2016، فانعدام الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة في ريف حلب الشرقي ساعد الأتراك – داخلياً وخارجياً - على اعتبار معركتهم هناك "عملية تحرير" وتخليصاً للمدنيين من التنظيم، بينما تحظى "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على معظم محافظة إدلب بتأييد لا يستهان به بين السكان، وهذا ما يُحرج أنقرة، ويضعها أمام عقبات تتمثل بانعدام الدافع الأخلاقي للمعركة، إضافة إلى أخذها بالحسبان التحذيرات من "حرب استنزاف" طويلة ومُكلفة.

لهذه الأسباب حسمت تركيا الجدل والشائعات بشأن طريقة تدخلها في إدلب، وقال وزير خارجيتها مولود جاووش أوغلو إن الوجود التركي في إدلب هو " لمنع حدوث انتهاكات، والتحقق من مرتكبيها" وهذا يعني أن الوجود التركي في إدلب هو بمثابة "قوات فصل"، وهو ما يقطع الطريق أمام المروّجين لإحداث فتنة تستهدف المحافظة عبر إشاعة أخبار اشتباكات أو سيناريوهات معارك دامية.

ولعل "هيئة تحرير الشام" قامت كذلك بإيضاح ما عندها عبر بيانها مساء يوم السبت، والذي اقتصرت فيه على مهاجمة فصائل في الجيش الحر ربما تدخل إلى إدلب، ومهاجمة الاحتلال الروسي.

ما جرى اليوم الأحد من دخول وفد استطلاعي من العسكريين الأتراك إلى ريف حلب الغربي برفقة سيارات من هيئة تحرير الشام يُفترض أن يشير بلا لبس إلى السيناريو القادم في إدلب على الأقل خلال الأشهر القادمة، فهيئة تحرير الشام لن تغادر المحافظة، ولن تدخل في اشتباكات مع الجيش التركي، كل ما في الأمر أن تفاهماً ما بين الطرفين يمكن أن يقود إلى تمركز القوات التركية في بعض المناطق "كقوات فصل" كما ذكرنا داخل المحافظة، وهذا ما قصده جاووش أوغلو بعبارة "وقف الاشتباكات"، بينما ينص الاتفاق مع موسكو على انتشار آخر لجنود روس على تخوم المحافظة من جهة مناطق سيطرة النظام.

الجيش التركي يُجري اليوم استعدادات واستطلاعات بالتنسيق مع الجانب الروسي وبالتفاهم مع القوى المحلية في إدلب، مع أخذ جميع المخاطر الأمنية المحتمَلة بعين الاعتبار. هذا ما يمكن أن يجري في المرحلة الحالية على الأقل. ليبقى مصير إدلب البعيد مرهوناً بنجاح وقف إطلاق النار وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في أستانا بين الأطراف الضامنة، ففي حال نجاح المسعى التركي يتوقع أن تقوم أنقرة بإعادة تأهيل المحافظة وتطبيق "بعض" ما فعلته في منطقة درع الفرات "مع مراعاة اختلاف الظروف طبعاً"، أما في حال فشل هذا الاتفاق فإن روسيا ستجد الذريعة الكافية لتدمير إدلب، ولا سيما أنها ستكون قد فرغت من السيطرة على حصتها في دير الزور.