الخميس 2017/08/17

“بأمر الملك والوساطات” ..مفهوم “استطاعة الحج” من وجهة نظر آل سعود !

إذا كنت من عشاق السياحة ورُوّاد السفر ..هل يمكنك أن تزور "برج إيفل" أو "الأهرامات" أو "برج بيزا"  -مثلاً- دون الحصول على تأشيرة وموافقة السلطات الفرنسية أو المصرية أو الإيطالية؟  الجواب بالتأكيد.. لا .. لأن أي دولة في العالم تعتبر المعالم السياحية على اختلاف أنواعها حقاً من حقوقها السيادية، وجزءاً من سياساتها تُجاه أصدقائها أو أعدائها، وعلى ذلك فأنت محروم من زيارة أيِّ مَعلم سياحي إذا كانت السلطات التي يقع هذا المَعلم تحت سلطانها ليست براضية عن وجودك.

يبدو الأمر إلى هنا منطقياً جداً ولا خلاف عليه، لكنْ ..هل الأمر نفسُه ينطبق على الأماكن التي تتعلق بالشعائر والفروض الدينية ؟ فعلى سبيل المثال .. هل تضع سلطات "الفاتيكان" قيوداً على المسيحيين الراغبين "بالحج" إلى كاتدرائية "القديس بطرس" ؟ ..وهل جرّب "البابا" يوماً أن يجعل زيارة الفاتيكان مكرمةً منه أو أن يعاقب خصومه "بحرمانهم" من تلك الزيارة؟ ..الجواب أيضاً : لا ..

عبر هذه المقدمة السريعة حاولت أن أجد تفسيراً أو توجيهاً "منطقياً" للطريقة التي تتعامل بها الأسرة السعودية الحاكمة مع ملفّ الحج إلى الشعائر المقدّسة، حيث يتحكّم الوضع السياسي بشكل مباشر في ذلك الملف الذي يفترض أن يكون بعيداً عن أي تجاذبات أو خلافات.

الكلام في هذا الموضوع ليس وليدَ اليوم، وتحكُّم "آل سعود" بالركن الخامس من أركان الإسلام لم يعُد يخفى على ذي لُبّ،  لكنّ تطورات الأزمة الخليجية تلقي الضوء يوماً بعد يوم على عجائب وغرائب جديدة وصلت إلى حدود اللامنطق واللامعقول.

بدأ الأمر هنا حين قرّرت السعودية وجاراتها إغلاق الطرق البرية والبحرية والجوية على "قطر" في الخامس من حزيران الماضي، وترافق الحصار مع قرارات وصفتها منظمات حقوق الإنسان الدولية بالجائرة، وكان من القرارات ضِمناً التضييق على المعتمرين القطريين وحرمانُهم من الوصول إلى المشاعر المقدّسة، وحين وصل الأمر إلى فريضة الحج قال الناس لعل الأمر يختلف.. فالعمرة غيرُ الحَج .. ولا بد أن توضع الخلافات السياسية جانباً، لكن الذي جرى لم يأتِ مخالفاً للتوقعات، ففي الوقت الذي "يسّر" فيه حُكام السعودية أمور الحج للإيرانيين، على خلفية "تقارب ما ووساطات"، وضعت المملكة شروطاً تعجيزية للسماح للقطريين بالوصول إلى البيت الحرام، واستنكرت منظمات حقوقية قطرية وعربية ودولية تسييس السعودية لملف الحج.

ولكي تزداد فصول "الهزل واللامنطق" غرابةً، وفي خطوة تعزِّز إصرار "آل سعود" على جعل الركن الخامس تبعاً لأهوائهم ورغباتهم، أوردت وكالة الأنباء السعودية ليل الأربعاء خبراً مفاده باختصار أن "الملك سلمان بن عبد العزيز وجَّه بفتح منفذ سلوى الحدودي للمواطنين القطريين لأداء مناسك الحج، دون تصاريح إلكترونية، وذلك بناءً على وساطة الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله بن جاسم آل ثاني ".

من يقرأ الخبر للوهلة الأولى يظن أنها خطوة في الاتجاه الصحيح من قِبل السعودية، وأنها "بادرة حُسن نية" في طريق حل الأزمة، لكن قراءة أو اثنتين فيما وراء السطور يمكن أن تساعد المتابع على تسجيل الملاحظات التالية :

1- استهتار الأسرة السعودية الحاكمة بفريضة الحج، فبأمر الملك يُغلق طريق القطريين إلى البيت الحرام ، وبوساطة من قبل "عبدالله بن علي بن عبدالله بن جاسم آل ثاني"، يُفتح الطريق ! بالله عليكم كيف تحوّلت فريضة الحج بهذه الفظاعة إلى مسألة "عقاب سياسي" يقبل التراجع عنه الوساطات ؟.

2- إذا افترضنا جدلاً أن فريضة الحج تحوّلت إلى "سلعة سياسية" عند آل سعود، فلماذا لم يراعوا حرمة فريضة الصوم حين قرروا قطع المواد الغذائية في شهر رمضان المبارك، ولم يقبل الأمر آنذاك وساطات أو محاولات للتهدئة ؟

3- إعلان السعودية السماح للحجاج القطريين بدخول أراضيها جاء بعد وساطة من " الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله بن جاسم آل ثاني"، وفي هذه الوساطة بحدِّ ذاتها إشارات بعيدة عن "البراءة"، لأن الشيخ صاحب "الوساطة المزعومة" هو من الأسرة الحاكمة السابقة لقطر، ورغبة السعودية في إظهاره بهذه المرحلة وقبول "وساطته" تؤكد سعي "آل سعود" إلى بث رسائل تتعلق بتلميع صورة "صاحب الوساطة" أو تهيئة الأجواء لطرحه بديلاً عن حكام قطر الحاليين، بطريقة أو بأخرى!

خلاصة الأمر أن مفهوم "الاستطاعة" الذي قُرن بفريضة الحج "من استطاع إليه سبيلاً" تحوّل لدى آل سعود إلى قضية بحسَب الرضا والغضب والوساطات، وتحوّل ضيوف بيت الله الحرام إلى ضيوف لـ"خادم الحرمين" الذي لم يعد خادماً للحرمين إنما بات "الحرمان الشريفان" أحد الملفات السياسية بيده يعطي حق زيارتهما لمن يشاء ويمنعها لمن يشاء، كل ذلك يحصل رغم قوله تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( الحج آية 25 ).